اليوم نحتفل بعيد أعياد الجنوب ، عيد خروج آخر جندي بريطاني عن أرضنا الحرة، لنجدد تمسكنا بالحق في الحياة والحرية و الاستقلال.
و نحن هنا نستوقف المناسبة لنأخذ ممن سبقونا دروسا في فنون الاستقلال وطرق إجبار المحتل على الرحيل والانصياع لمشيئة الشعوب ، فالاستقلال وإعلانه لا يأتي اعتباطا دون دراسة فلا يجدر أن يحدد يوم 30 نوفمبر يوما موعودا للاستقلال الثاني , لأن هذا يعني مزيدا من الضحايا و نهرا من الدماء بل يجب أولا أن يتم التخطيط بدقة لهذه الخطوة و التنسيق مع الداخل والخارج فلا نستطيع أن ننكر الدور الخارجي في الوطن العربي وخاصة في بلدنا ومن يدعي غير ذلك فهو إما جاهل بالحقيقة أو يضحك على نفسه وعلى عامة الناس.
ثانيا مما يؤسف له أنه حتى اليوم وبعد سنوات من انطلاق الثورة ونشأة الحراك لم تتقدم أي جهة أو طرف أو مكون من مكونات الحراك المتعددة بأي مشروع نري العالم من خلاله الصورة القادمة للجنوب ويتم التشاور عليه مع كافة الأطراف الفاعلة في الساحة سياسيين وعلماء ومفكرين وأكاديميين وعمال وشباب وعامة.
كل ما يحدث فقط استعراض عضلات بين بعض المكونات ، الكل يحمل نفس الهدف ويصرخ بنفس الشعارات لكن الكل مختلف في أحقية من يقود المرحلة القادمة بل وقد يكيد للآخر و يسفهه ويحاول تشويه صورته أمام الشارع الجنوبي بل وخارج الجنوب أيضا. وهذه الصراعات التي ابتلينا بها منذ خروج المحتل الأول وحتى اليوم هي التي أخرت نهضة الجنوب وأوصلتنا لما نحن فيه من احتلال واختلال وضعف وتشرذم .
نحن بحاجة إلى أن نعرف ماذا نريد وأين نقف الآن و مع من يجب أن نتحرك وكيف يمكن أن نوحد الصف الداخلي وما هو مشروعنا القادم للأرض والإنسان.
أما أن نشغل الناس بشعارات الاستقلال ونضع للناس موعدا جزافيا ونلقي بهم للموت فهذا يتنافى تماما مع العقل و مسئولية القيادة في تجنيب الناس للمخاطر لا أن نلقي بهم إلى التهلكة وندفعهم للمواجهة مع الطرف الأقوى خاصة في عدم الاتفاق على إستراتيجية معينة لشكل الاستقلال وآلياته.
صحيح أن الاستقلال نتاج لفعل ثوري لا يخضع في غالبه للتخطيط والأمور التنظيرية بل يأتي تحت ضغط الشارع و إصرار الناس وعزيمتهم وغالبا ما يتبعه الكثير من الضحايا ، لكنني كمواطن أخشى أن يصيبنا في الجنوب ما أصاب شعوب دول الربيع العربي الذين ظنوا أن ثوراتهم قد أطاحت برؤوس الفساد وأنهم على أعتاب وطن جديد يحكمه القانون وتسوده الوطنية يسابق الريح ليصل لقمة المجد والعلياء لكن الواقع كان غير ذلك تماما فلم يحدث إلا ضحايا فقدوا أرواحهم وأسر فقدت عائلها وجرحى و بنية تحتية مدمرة ومشاكل إضافية لتلك البلدان وخرج زعماء الفساد ومنظوماتهم سالمين غانمين، وهذا ما لا نريده للجنوب فقد عانينا لعقود طويلة بما فيه الكفاية،
ونحن الآن بحاجة لأن ننعم بحياة تليق بآدميتنا على الأقل وهذا لن يتم إلا بطرح الأطماع الشخصية وجنون الزعامة والرئاسة جانبا والعمل من أجل الجنوب أولا لتحصل بعدها بلادنا على استقلالها وحريتها ولتصنع مجدها ولن يكون ذلك أبدا بمن كانوا سببا في المشكلة، أما الشعارات والصراخ والجنون السياسي فقد سئمنا ومل الناس منه تماما
فثورة مستمرة خير من استقلال مشوه.
(صحيفة الأيام العدد 5882 الأحد 30/11/2014)