من خلال زياراتي لساحة العروض في العاصمة عدن كان أكثر ما يؤلمني وأنا أشاهد أولئك الذين خرجوا من أجل التحرير والاستقلال وقد تركوا منازلهم و أهليهم وبنيهم ورابطوا بالساحات لأجل استعادة الوطن السليب لكن للأسف لا يزال بعضهم يحمل العديد من الثقافة والعادات التي أتتنا من نظام الاحتلال ، وكأني وأنا أمر من جوارهم أمر في أحد شوارع صنعاء أو تعز أو غيرها من المدن اليمنية ، تشعر بالضيق على ذلك الوقت الطويل المهدر في تناول النبتة الخبيثة القات ، ثم تلك الأفواه الممتلئة بالقات تكاد تنفجر ملقية بكل ما تحتويه من بقايا القات يستوي في ذلك عامة الناس و النخب السياسية والثقافية .
لا استطيع البحث في أعماق التاريخ في هذه العجالة لنؤكد متى دخل القات أراضي بعض مناطق جنوبنا الحبيب ولا حتى منذ متى أصبح تسويقه في مدينة عدن متاحا للجميع لكن ما استطيع الحديث عنه أنه في منتصف سبعينيات القرن الماضي كان هناك قرارا جريئا ورائعا اتخذ من قبل الرئيس الشهيد سالم ربيع علي (رحمه الله) بمنع تعاطي القات واقتصاره على يومي الخميس والجمعة في محافظة عدن ففي الوقت الذي لقي هذا القرار ارتياحا شعبيا ونخبويا في كافة المحافظات وكان الارتياح أكبر وأكثر في حضرموت والمهرة التي حرّم دخوله إليهما نهائيا.
إذن فالقات ليس سلوكا قديما في الجنوب إذا ما استثنينا مديريتي الضالع ويافع ولا سواهما في ما أظن و حتى ما قبل وحدة 22مايو 1990م لكنه بدأ يتسلل بعد الوحدة بشكل جنوني ومبالغ فيه حتى دخل كل بيت وأدمنه الناس كبيرهم وصغيرهم حتى النساء زاحمت الرجال في ذلك.
الآن و وقد جعله البعض أمرا واقعا فهل نتمنى أن يأتي يوم نتخلص من هذه العادة التي لا يليق بنا أن نسمح لها أن تستهلك أموالنا و تضيّع أوقاتنا وتشوه الوجه الحضاري لنا .
أعرف جيدا أنه موضوع شائك وحساس وموضوع ربما قد يرى البعض أنه ليس من الأولوية بمكان كما أنني اعرف أيضا أني قد اغضب بعض من يقرأه لسبب واحد هو عدم الإدراك بأضرار القات الظاهرة والباطنة وحتى وان أدركها فهو يتغاضى عنها ويستدعي الكم الهائل من مفردات التبريرات الواهية .
لكنه النصح من محب لوطنه وأبناء وطنه يعلم جيدا أن تناول هذه النبتة ليس من صفات المجتمعات المتحضرة التي تبحث لها عن مكان في الأعالي بين الأمم.
كما أن إهدار الوقت والتشبث بثقافة دخيلة على مجتمعنا ليست من صفات الثوار ومن يحملون هم وطن و على عواتقهم وضع الناس أمل التحرير، ويأمل منهم الجميع أن يقدموا الخير للبلاد ، فالمنطق يقول لن نغير في الكون شيء ما لم نتغير نحن أولا.
فماذا لو طبق منظرو استعادة الدولة على أنفسهم ليكونوا قدوة لغيرهم بنود ذلك القانون واقتصروا على التخزين يومي الخميس والجمعة فقط وفي مجالسهم الخاصة دون الظهور أمام العامة وصغار السن حتى لا يقتدوا بهم في هذا السلوك .
وفي الأخير هي عادات قابلة للتغيير وليست عبادات لا تتغير .
وخلاصة الأمر هذه مجرد وجهة نظر مع تقديري وحبي للجميع،،
(صحيفة الأيام العدد 5876 الأحد 23/11/2014)