لا نبغي بهذا العنوان استفزاز المجتمع أو طلب الشهرة والبروز على حساب مسلمات المجتمع وعقيدته وثوابته الدينية ، بل المتأمل لهذا العنوان يجده واقعا متجسدا في مساجدنا ويفرض رؤاه ومواقفه السياسية والمذهبية والطائفية على المصلين ممن لا حول لهم ولا قوة إلا الاستسلام والرضوخ لسلطة المنابر الدينية ، ولنواجه الحقائق المجتمعية والواقعية التي نعايشها يوميا ونكابدها أسبوعيا :
الحقيقة الأولى : شرعنا الحنيف اوجب أن تكون المساجد لله ، فلا تصلح للتخاصم والدعوة للعنف والتناحر ، فلا قيمة لأي منبر لا يحث على التسامح والمحبة ، ويخرج المؤمن من صلاة الجمعة يحب أخيه ويواسي الضعفاء والمساكين .
ولنعد لواقعنا الدعوي المأسوي فكل مسجد يتبع لشخصية أو جمعية أو جماعة يفرض سياساته الدينية والمذهبية والطائفية ، ويكفر من يريد ويفسق من يخالفه ويمنع كل خطيب لا يناسب هواه ومزاجه الحزبي ، فالخلاصة مساجدنا قطاع خاص تديرها المصالح والمنافع الشخصية والنفعية لأحزاب وقوى سياسية وحزبية ومذهبية تسعى لنشر أهدافها وخدمة مصالحها وأيدلوجياتها ، ولو اضرَّ هذا التسييس والمتاجرة بمساجدنا وبديننا الحنيف وبالتسامح والوسطية والاعتدال الذي هو جوهر كل الأديان ولو كانت غير سماوية .
الحقيقة الثانية : من يتابع أهداف وغايات الجمعيات الخيرية والدعوية سيجدها تتجاوز أسس وثوابت الدين والأخلاق والمجتمع والدولة ، ولنأخذ أهداف جمعية خيرية اجتماعية كما توصف نفسها سنجد فيها " التعريف بالعقيدة الصحيحة للسلف الصالح رضي الله عنهم ، والتحذير من البدع والخرافات التي شوهت جمال الإسلام وحالت دون تقدم المسلمين " ، هذه الجمعيات تستغل المساجد للتكفير السياسي ، فكل جماعة تعتبر نفسها " جماعة المسلمين والطائفة المنصورة " وكل من يخالفها مخلد في النار ، فالمساجد والمنابر المغتصبة من قبل هذه الجمعيات الأحزاب المبطنة تستعمل المساجد لتكفير المسلمين وتبديعهم وتفسيقهم وتقسم المجتمع إلى أبرار وفجار وأخيار وأشرار ليصير المجتمع فرقا وأحزاب متصارعة تستغل الدين لاستقطاب المغرر بهم ، وتستعمل القتل والعنف سلاح سياسي يتغطى بستار الدين والأخلاق والثوابت المجتمعية .
الحقيقة الثالثة : مشروع المتاجرة بالدين ونشر فوضى الفتوى لم يقتصر على علماء اليمن ، بل فتح باب المتاجرة والمقايضة ليشرعَّ الاحتراف واستقدام مشائخ , ودعاة الإخوان الجدد من الخارج ، فالجمعية الاخوانية تستقدم مشائخ قطريين ، والجمعية السلفية تستقطب مشائخ سعوديين .
هؤلاء المشائخ والدعاة كانوا النار التي أشعلت وقود الصراعات الحزبية والسياسية والطائفية والمناطقية في اليمن ، وأنتجت دعوات للثورة وللجهاد والقتل والعنف والخروج والتدمير والتكسير ، وهذا كله يتم تحت غطاء الدين وبدعم من جمعيات ومساجد ومنابر تصف نفسها بالإسلامية .
الحقيقة الرابعة : المتابع للمسميات الدينية والدعوية التي تصدِّر الفوضى وتعطي صكوك الجنة والنار سيجدها تربو عن المئات ، وهي ذات طبيعة حزبية أو سياسية أو مناطقية أو مذهبية أو تجارية ، فهذه المجالس والهيئات والمنظمات والجمعيات تحرم في مجلس دعوي وتحلل في مجلس آخر ، فمثلا جمعية علماء اليمن ترى الوحدة الفريضة السادسة ، بينما يجيز علماء الجنوب تقرير مصير الجنوب في فتواها ، والأغرب أن كثير من العلماء والمشائخ يتوزعون بين هذه المجالس المتناقضة والمتصارعة في الاتجاه والفتوى والهوى .
في خيام هذه المآسي الدينية التي نعيشها تستوجب على الدولة القيام بواجباتها تجاه المجتمع وثوابته الدينية والمجتمعية أو تفتح باب الخصخصة والاستثمار الديني والدعوي ، فتشرع لكل داعية سياسي أو طائفي أو عنصري يدعو لتخريب وطننا ونشر الفوضى المجتمعية ، ويستتبع هذا الشرعية القانونية إلغاء وزارة الأوقاف التي تقوم بدور شاهد زور وتسلك سلوك الزوج المخدوع الذي لا يرد يدا لامس .
وبما إن اليمن تحت الوصاية الدولية لمجلس الأمن والفصل السابع ، فعلينا السماح للمنظمات الأجنبية بالدعوة والتبشير في اليمن وليتنافس الريال القطري والدولار الأمريكي في الرقص على جراحات واحتياجات المواطن اليمني ، والبقاء للأقوى ؟!
* الكاتب فائز سالم بن عمرو