التسوية العادلة ضمان للأمن والاستقرار في المنطقة
قبل أي حديث عن تسوية لابد من فهم الحالة اليمنية بشكل دقيق لاستيعاب كل أبعادها السياسية والجغرافية والتاريخية وأي تجاهل للأسباب الحقيقية للازمة اليمنية ستؤدي إلى نتائج كارثية ولن تنتج سلام دائم وتنمية مستدامة تحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
فالمسألة اليمنية معقده تحتاج إلى عقول منفتحة غير مثقله بإرث الماضي السيء أو بأدران السياسات الفاشلة هذه العقول تبحث وتغوص في أعماق الأزمة تفتش بين ثناياها الأسباب والدوافع لعدم استقرار اليمن خلال العقود الأربعة الماضية وتقدم الحلول الناضجة لكي تخرج اليمن من بؤرة الصراع وتمنع تفجره في وجه الإقليم والعالم مرة أخرى فالمشهد أمامنا خلال العشر السنوات الماضية أظهر لنا كم من الخلافات والتناقضات في الإقليم والعالم عند التعامل مع الأزمة اليمنية بسبب سوء الفهم والتقدير.
- نسمع عن مفاوضات إقليمية وأحيانًا تشترك فيها قوى عالمية حول التسوية بإشراك بعض الأطراف المنخرطة بالأزمة واستبعاد البعض الآخر إذا فهمنا بأن هذا التفاوض للتسوية بين الأطراف الشمالية شرعية وأنصار الله تحت إشراف إقليمي ودولي فهذا شيء طبيعي ولا اعتراض عليه من ناحية الجنوب لأن الأزمة تخصهم كون أنصار الله بالتعاون مع عفاش انقلبوا على الشرعية التي كانت تمثل المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للإصلاح وفي هذه الحالة غياب الجنوب شيء مبرر فالأمر يستحق التفاوض لعودة هذه الشرعية إلى صنعاء أما ما يتعلق بالجنوب فالأمر مختلف فالتفاوض يجب أن يكون بين الشمال والجنوب وفق القرارات الدولية والإقليمية تحت إشراف إقليمي ودولي على الترتيبات النهائية لشكل العلاقة بينهما وهنا نود أن نلفت نظر الأطراف الإقليمية والدولية بأن الجنوب تعرض لاحتلال في عام 94م وكانت هناك معارضة خليجية لاحتلال الجنوب لفرض الوحدة بالقوة وهناك قرار اتخذ في قمة مجلس التعاون في أبها يونيو 94م علاوة على قرارين لمجلس الأمن بهذا الخصوص ولا زالا قيد الإجراء فانقلاب صنعاء عام 2014 م لا علاقة للجنوب فيه لا من قريب ولا من بعيد فالأزمة تخص تحالف الحكم في صنعاء وكان الجنوب ضحية لذلك الانقلاب من خلال تعرضه لغزو في مارس 2015 وكانت قوات الغزو تمثل تحالف عفاش مع الحوثي أي قوات الشرعية والدولة اليمنية وقوات الحوثي ودارت معارك في كل الجبهات بامتداد الحدود الدولية بين الجنوب والشمال وحتى مدينة عدن شهده العالم أجمع وبفضل المقاومة الجنوبية والتفاف شعب الجنوب حولها وكذا دعم التحالف العربي تم تحرير الجنوب في ظرف ثلاثة أشهر فقط.
ونحب نذكر الإقليم والعالم بأن الشرعية ممثلة بحزب الإخوان المسلمين وبقايا حزب المؤتمر الشعبي العام قد سيرت قواتها في العام 2019م من مأرب وسيئون تتقدمها طلائع القاعدة تحت مسمى عملية خيبر لاحتلال عدن وتم صدها على مشارف عدن أي أن الجنوب مستهدف في كلا الحالتين من التحالف العفاشي والحوثي وأيضًا من قبل الشرعية حزب الإصلاح والإخوان المسلمين وبقايا المؤتمر الشعبي العام مما يعني أن الشرعية أقفلت موضوع عودتها إلى صنعاء واتجهت إلى عدن جنوبًا وهنا نطرح السؤال على ماذا تبنى المفاوضات إن لم يكن الجنوب حاضرًا كطرف رئيسي في المعادلة؟
الشرعية وفق اتفاق الرياض منحت فرصة ذهبية لاستعادة عاصمتها صنعاء واتخذت من عدن والجنوب مرتكزًا لها لكنها فشلت في إدارة العمل العسكري باتجاه صنعاء ونجحت في حصار الجنوب في تضييق معيشته وتعطيل دفع المرتبات بانتظام وتعطيل خدمات الكهرباء في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى ونشر الفساد والفوضى الإدارية والمالية وهذه السياسة يعتبرها شعب الجنوب امتداد لنفس سياسة نظام صنعاء تجاه الجنوب منذ العام 94م وهدفها وضع الجنوب رهينة لإبقائه تحت عباءة نظام صنعاء حيث يتم الرهان من قبل الشرعية على ثلاثة عوامل الأول: الحصار الخانق والثاني: إطالة الزمن والثالث: تشجيع المزيد من الانقسامات في الجنوب ونشر الفساد والفوضى الأمنية والإدارية والمالية.
أمام هذا الوضع ينبغي على الانتقالي أن يستمع لنصائح الجنوبيين في تقدير خطورة الموقف فالجنوب يقف أمام مفترق طرق فالوقت لا يسير لصالح الجنوب كما أن الانقسامات في المجتمع الجنوبي في ازدياد وتماهي البعض من الجنوبيين معها إضافة إلى الحصار الخانق للجنوب والذي يعتبر فوق طاقة الشعب الجنوبي فإعادة النظر في كل الخطوات وحسم الأمور وعدم الانتظار حتى عودة الشرعية إلى صنعاء فإن عادت سيكون الفوت قد فات وستصبح قضية الجنوب مسالة محليه لا قيمة لها ولن يلتفت إليها أحد.