عدن والجنوب ليسا مجرد جغرافيا على خريطةٍ تتقاطع فيها المصالح وتتنازعها الرؤى، بل هما مساحة فكرٍ مفتوحة، وشاشة عرض كبرى تجمع الجميع بمختلف اتجاهاتهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية ومطالبهم الاجتماعية.
في عدن والجنوب تتجاور الأصوات، وتتقاطع الأفكار، وتتنفس الحرية على طريقتها الخاصة، رغم ما يعتري المشهد من اضطراب وتعب. فهنا يمكنك أن تحلم دون أن يُنتزع منك الحلم، وأن تقول ما تؤمن به ولو بصوتٍ خافت، لأن هذه الأرض عرفت التعدد قبل أن تعرف الانقسام، وعاشت المدنية قبل أن تتكئ على العصبية.
عدن تحديدًا، كعادتها، لا تغلق زاوية للنظر، ولا تُقصي فكرة، ولا تنفي اختلافًا. فهي المدينة التي رأت كل التيارات تمرّ من شوارعها، وكل المدارس الفكرية تترك على جدرانها أثرًا من نقاش أو جدل أو تجربة. إنها تتيح لك أن تكون أنت كما أنت، وأن تملك مساحة لتفكر وتنتقد وتحلم، دون أن تضطر لتغيير جلدك أو لهجتك أو انتمائك.
ولأن الجنوب بشموله امتدادٌ لتلك الروح العدنية، فقد بقي رغم جراحه ساحةً مفتوحةً للحوار، مهما حاول البعض إغلاق الأبواب أو حصر الناس في زوايا ضيقة من الولاء أو الانتماء.
الجنوب اليوم بحاجةٍ لأن يظل كذلك: شاشة عرض كبرى تعكس تطلعات الجميع، وتستقبل اختلافهم، وتمنح كل فكرةٍ حقّها في الظهور، بعيدًا عن لغة الإقصاء والتخوين، وقريبًا من منطق المشاركة والمصارحة.
نحن لا نبني وطنًا بإلغاء الآخر، ولا نرسم المستقبل بخطابٍ واحد اللون. فالقوة لا تكون في الصوت الأعلى، بل في القدرة على استيعاب كل الأصوات التي تصب في نهر الوطن.
عدن والجنوب اليوم أمام فرصةٍ لتجديد رسالتهما التاريخية: أن يظلّا مرآةً للحرية، ومكانًا يُرى فيه الجميع بوضوح. فالحلم هنا لك… ولغيرك، فلا تكسروا الشاشة، ودعوها تضيء وتعمل، وتنقل لنا الصورة من كل الزوايا.