أين يكمن الخطأ في 14 أكتوبر؟

2025-10-13 22:26

 

يصادف الرابع عشر من أكتوبر هذا العام مرور 62 عاماً على إعلان بدء الثورة المسلحة ضد الاستعمار البريطاني، إثر المعركة المسلحة في ردفان يوم الثالث عشر من أكتوبر عام 1963م. وبعد أربع سنين سلّمت بريطانيا الاستقلال للتنظيم الجبهة القومية الذي تخلى عن مطلب الاستقلال الحقيقي، وأنكر حق الجنوب في استقلال حقيقي عن هيمنة أخرى فُرضت على الجنوب وشعبه بالترهيب قبل الترغيب.

 

أين يكمن الخطأ؟

ليس الخطأ في الثورة، بل في من تولى شؤون البلاد والعباد بعد الثورة، فرّط في الاستقلال الذي ظلت الجماهير الجنوبية وحكامها تنتظره منذ أن وطأت أقدام المحتلين الإنجليز أرض عدن. ففي نفس العام الذي احتلت فيه بريطانيا عدن (1839م) قامت السلطنتان العدلية والفضيلة بالهجوم على المحتلين، بيد أن القوات الغازية قمعَت الحملة الجنوبية المشتركة عند جبل حديد. وفي عام 1840م أعادت السلطنة العدلية الكرة، لكن التفوق العسكري البريطاني أفشل الهجوم اللحجي الرافض للاحتلال. انتفض شعب الجنوب ضد المحتلين في طول الجنوب وعرضه تواقاً إلى الاستقلال من الهيمنة الأجنبية. وحتى إذا حان أوانه لم يكن يعلم أن احتلالاً آخر ينتظره، سيفرض عليه بالقوة باسم تحقيق وحدة مفترضة، في حقيقة الأمر مفروضة من قوى خارجية ولا سيما بريطانيا التي عمدت إلى تسليم الاستقلال لتنظيم ارتكب أخطاء فادحة بحق الجنوب.

 

إيجابيات وسلبيات أكتوبر

لم تدع ثوار أكتوبر البلاد تستقر بعد الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م. حينها كان على رأس الدولة رجل بعيد النظر وعميق التفكير، وبجانبه ساسة واقعيون عقلاء، إلا أن شلة عديمة الشعور بالمسؤولية انبرت تطالب بجرّ البلاد إلى سياسات عدائية ضد فئات من أبناء الشعب، ساعية إلى فرض سياسة الإقصاء والتأميم والمصادرة، وحتى إلى عمليات تصفية جسدية. وطاوعها الرئيس في بعض المواقف على أمل أن تكفّ عن انتحائها اليساري المتطرف، لكنها أبت إلا أن تطيحه ورفاقه وزجّ بهم في غياهب السجون. ولم تكتف بذلك بل اغتالَت بعض القادة، كما حصل للشهيد فيصل الشعبي، ووقعت حوادث كتفجير طائرة الدبلوماسيين في 30 أبريل عام 1973م، ناهيك عن محاربة قوى وطنية جنوبية امتنعت عن التفريط في بلدها فاعتُقل بعضهم وقتِل آخرون بتهمة الانفصال، وشُرد من شُرد بتهمة العمالة للاحتلال البريطاني.

 

القمع وقمع النظام من داخله

مارس النظام الذي تولّى الحكم بعد إطاحة التيار الوطني الجنوبي في الجبهة القومية في 22 يونيو 1969م القمع ضد القوى الوطنية الجنوبية، وعمد إلى اتباع أسلوب تصفية كل من صنفه في خانة أعداء الثورة. ولم يسلم من بطشه فلاحون أميون اختطفوا من منازلهم أو من الشارع ليقدموا إلى محاكم الثورة سيئة الصيت الشبيهة بمحاكم التفتيش الأوروبية في العصور الوسطى. وكان قضاة تلك المحاكم أناساً لا علاقة لهم بالقضاء، من بينهم طبال يعلن عن أحكامهم. كما اختفى عُجّز وشباب وكهول في سني السبعينيات، ولم يعرف أقاربهم مصيرهم، والراجح أنهم قتلوا. فأثكل النظام أمهات، وأرمل نساء شابات، ويتيم أطفالاً، ليُرهب أبناء الشعب فيذعنوا لسياساته الخاطئة. والحقيقة أن الجماهير صفّقت لمن حرمتهم من ثرواتهم، مكتفية بالتأميم والمصادرة. ولم يجرؤ أحد على الاعتراض، بما في ذلك من داخل التنظيم، فقد انفرد الرئيس بالحكم، لكن إلى حين فقد تربّص به رفاقه بعد أن كفّ عن تطرفه اليساري، فلقى مصرعه في أحداث غامضة لم يعرف شعب الجنوب حقيقتها بعد.

 

الحزب الاشتراكي اليمني واستمرار سياسة الأخطاء

جاء تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني بإصرار من التيار اليمني في الجبهة القومية على تأسيسه، وبعد ست سنوات من الإعلان عن عزمه تأسيسه. ولم يكد يمضِ أكثر من عام ونصف حتى سقط مؤسسه اليمني، إذ علّقت طائرته في أجواء العاصمة الليبية طرابلس في منتصف أبريل 1980م، وما إن عاد إلى عدن حتى بلغته رسائل من رفاقه تطالبه بالتنازل عن السلطة فقدم استقالته ونُفي إلى موسكو. وما هي إلا خمس سنين حتى طالبه الذي كان مصراً على نفيه بالعودة، ففُرِضت عليه العودة ليس حباً فيه، بل نكاية بحليفه السابق الذي أزاحه من وزارة الدفاع ليحل محله شخص آخر ليس من أبناء الجنوب أصلاً، لتبدأ جولة رابعة من الصراع العبثي. وهذه المرة أخذ الصراع طابعاً مناطقياً وقبلياً خطيراً تسبب في عداوات مناطقية وقبلية بين أبناء الشعب الجنوبي، إثر خلافات مفتعلة اعتاد أقطاب النظام إثارتها منذ الاستقلال الذي فرّطوا فيه لصالح احتلال آخر.

 

ختاماً

لا بد اليوم من الوقوف عند أخطاء الأمس القريب حتى لا تتكرر، كي لا يظهر لنا مفتعلو خلافات وانقلابات يذبحون أنفسهم بأيديهم، فيلقي آخرهم بالجميع في التهلكة.