تحويل الهزائم إلى انتصارات لا يخدم الجنوب

2025-09-19 21:52

 

تحويل الهزائم إلى انتصارات: هل يخدم الإعلام الجنوبي قضيته

في خضم الصراعات السياسية والعسكرية، فان الإعلام يمثل سلاحًا فتاكًا قادرًا على تشكيل الوعي  وتوجيه الرأي العام. ولكن، عندما يغرق هذا السلاح في وحل التضليل، ويتحول إلى بوق لتزيين الهزائم وتلميع الخيبات، فإنه يفقد مصداقيته ويتحول إلى عبء ثقيل على القضية التي من المفترض أن يدافع عنها. وهذا هو حال بعض وسائل الإعلام الجنوبي اليوم، التي تسعى جاهدة لتحويل الخسائر إلى مكاسب، والانتكاسات إلى بطولات، في عملية تضليلية لا تخدم الجنوب بقدر ما تدفعه نحو كوارث محققة علي المدى القريب والبعيد.

إن الهزيمة، بكل ما تحمله من مرارة وألم، لا يمكن أن تتحول إلى انتصار لمجرد أن الكاميرا صورتها كذلك، أو أن الصحفي أطلق عليها اسمًا لامعًا. فالحقيقة الصلبة لا تتغير، والخيبة تظل خيبة حتى وإن تم تغليفها بعبارات البطولة والفداء.  فمحاولة تصوير الواقع على غير حقيقته هي عملية خداع مزدوجة: الأولى ضد الجمهور الذي يُفترض أن يكون واعيًا ومطلعًا، والثانية ضد القضية نفسها التي تُبنى على أسس الزيف والوهم

إن أبناء الجنوب، الذين يعيشون الواقع المرير على الأرض، يدركون تمامًا حجم الهزائم والخسائر. ويرون بأعينهم ما لا يمكن إخفاؤه، ويشعرون بآثار الانتكاسات في حياتهم اليومية. ولذلك، عندما يخرج عليهم إعلام يزعم أن ما حدث هو انتصار ساحق، فإنهم لا يصدقون، بل يشعرون بالاستخفاف بعقولهم ووعيهم. فهذه الكذبة الإعلامية لا تزيد إلا من فجوة الثقة بين الإعلام والشارع الجنوبي، وتجعل من الصعب على هذا الإعلام أن يحظى بأي مصداقية في المستقبل، حتى لو أراد أن ينقل الحقيقة.

إن الإعلام الصادق هو الذي يواجه الحقيقة بشجاعة، ويعرضها بكل تجرد، حتى وإن كانت مؤلمة. فالشفافية هي أساس بناء الثقة، والمصداقية هي رأس مال أي قضية تسعى للانتصار. بدلًا من تزيين الهزائم، يجب على الإعلام الجنوبي أن يكون مرآة صادقة تعكس الواقع بكل تفاصيله، وأن يُسلط الضوء على الأخطاء والقصور، ويُحاسب المسؤولين، ويُطالب بالإصلاح. فالاعتراف بالهزيمة هو الخطوة الأولى نحو تجاوزها والعمل على تحقيق الانتصار الحقيقي.

اما الاستمرار في نهج التضليل الإعلامي فانه بمثابة إطلاق النار على القدم. فهو لا يخدم الجنوب ولا قضيته، بل يساهم في إضعافها، ويجعلها عرضة للخطر. فبناء قضية قوية يتطلب وعيًا حقيقيًا، وقاعدة صلبة من الحقائق، وليس أكوامًا من الأكاذيب والأوهام. وعلى الإعلام الجنوبي أن يختار طريقه: إما أن يكون صوتًا صادقًا للقضية النبيلة،التي يتبناها أو أن يتحول إلى مجرد أداة تضليلية تزيد من آلام الشعب وتعمق جراحه.