في خضم التجاذبات السياسية المعقدة التي يشهدها الجنوب العربي،حاليا يبرز اسم اللواء عيدروس الزبيدي كشخصية محورية ورمز للقضية الجنوبية. ومع كل خطوة يخطوها المجلس الانتقالي الجنوبي نحو تحقيق تطلعاته، تتصاعد حملات التشويه الممنهجة التي تستهدف الزبيدي شخصيًا، وكأن هناك من يسعى إلى تقويض إلارادة الشعبية للجماهير الجنوبية باتهامات فردية لا يقبلها العقل ولعل ما حدث مؤخرًا حول قضية هيئة الأراضي وعقارات الدولة في عدن هو مثال صارخ على هذه المحاولات.
حيث جرى تصوير استقالة الأستاذ سالم العولقي، الذي عينه الزبيدي رئيسًا للهيئة، على أنها دليل دامغ على أن الزبيدي نفسه هو من عرقل قراراته بإقالة الفاسدين من فرع الهيئة بعدن. وتلى ذلك بسرعة غير مألوفة تعيين بديل له فور تقديم استقالته، مما دفع البعض إلى قراءة المشهد وكأنه مسرحية هدفها إقناع الناس بأن الزبيدي يدعم الفساد وهو من يقف خلفه ولكن، هل هذا الادعاء منطقي وواقعي؟ وهل يتناسب مع حجم القضية التي يحملها؟
فمن الناحية المنطقية والواقعية، من الصعب جدًا قبول هذا السرد. فعيدروس الزبيدي ليس مجرد مسؤول إداري، بل هو قائد عسكري ورمز سياسي يمثل تطلعات شعب بأكمله. وقضية استعادة دولة الجنوب هي قضية وطنية بامتياز، وهي أكبر بكثير من قضية فساد في هيئة الأراضي، مهما بلغت أهميتها. والزعيم الذي يحظى بهذه المكانة الشعبية والموقع السياسي لا يحتاج إلى الانخراط في صراعات شخصية أو ممارسة الفساد من خلف الواجهة من أجل الاستحواذ على أراضٍ. فمكانته السياسية تمكنه من الحصول على ما يريد دون الحاجة إلى التخفي أو التواطؤ او الانخراط في شبكات فساد بل إن أي خطوة من هذا القبيل ستكون بمثابة انتحار سياسي، يهدد كل ما بناه من تاريخ نضالي وسمعة وطنية.
فالزعماء الذين يضحون بتاريخهم وسمعتهم من أجل مصالح شخصية تافهة غالبًا ما يكونون ضعافًا أو لا يملكون قضية حقيقية يؤمنون بها. أما الزبيدي، الذي حمل السلاح وقاد معارك من أجل قضية وطنية، فمن غير المعقول أن يضحي بكل ذلك من أجل بضعة مشاريع شخصية. فما يغريه حقًا هو تحقيق حلم شعبه، وليس بناء ثروة شخصية على حساب هذا الحلم.
فإذا لم يكن الهدف من هذه الاتهامات هو كشف فساد حقيقي للزبيدي، فما هو التفسير الآخر؟ التفسير الوحيد المقنع هو وجود مخطط ممنهج يستهدف تشويه صورته، بهدف ضرب إرادة الشعب الجنوبي. هذا المخطط قد يشارك فيه الزبيدي نفسه، بوعي منه أو بغير وعي، عبر قرارات أو مواقف تُفسّر بشكل خاطئ، مما يجعله جزءًا من لعبة أكبر.
والهدف من هذه اللعبة ليس إظهار فساد الزبيدي، بل إقناع الشعب بأن قيادته فاسدة، وأنها لا تسعى لتحقيق الاستقلال واستعادة الدولة، بل انها تسعى بدلا عن ذلك لتحقيق مصالح شخصية. وهذا النوع من التشكيك يهدف إلى إحداث حالة من الإحباط واليأس في الشارع الجنوبي، مما يدفع الناس إلى التخلي عن هدفهم في الاستقلال واستعادة دولة الجنوب والقبول بأي تسويات سياسية أخرى، تتعارض او تنتقص من تطلعاتهم الأساسية الوطنية في مخطط دولي متقن يعمل على تقويض الثقة بين القيادة والشعب، حيث تعتبر الثقة هي حجر الزاوية في أي حركة تحررية. وعندما يفقد الشعب ثقته في رموزه، وقادته يصبح من السهل دفعه إلى التنازل عن قضيته وتضحياته واهدافه الوطنية الكبيرة على الاقل من وجهة نظر المخططين..
وفي النهاية، فان ما يحدث حول الزبيدي وقضية الأراضي ليس مجرد قضية فساد إداري، بل هو حلقة في سلسلة من المحاولات الممنهجة لتشويه رموزه الوطنية، بهدف كسر إلارادة الشعبية العارمة للجنوبيين في استعادة دولتهم. ولا يملك الزبيدي أو أي قائد وطني اخر رفاهية الانخراط في صراعات فردية جانبية، لأن قضيته أكبر من ذلك، ومعركته الحقيقية هي ضد المخططات التي تسعى لإفشال مشروع استعادة الدولة.