لست متشائمًا، لكن الوقائع والتاريخ لا يمنحاننا أملًا كبيرًا في تحرير صنعاء وما يتبعها من مدن يمنية من تحت سيطرة الحوثيين إلا إذا رفعت عنهم القوى الغربية الغطاء الذي منع هزيمتهم في أكثر من مناسبة. فمنذ سنوات والحرب تدور رحاها، ومع ذلك تبدو القوى السياسية اليمنية المرتبطة بالشرعية وكأنها غير معنية فعليًّا بتحرير عاصمتها وليست في عجلة من أمرها، بل إن كثيرًا من مراكز النفوذ في الشرعية ذات المنشأ الزيدي وحتى اتباعها من اليمن الأسفل لا تر في هدف تحرير صنعاء أولوية، لأن مصالحها الخاصة ما زالت قائمة، وهي قادرة على التكيف مع أي واقع مهما كان شاذًا أو ناقصًا.
هذا العجز لم يكن وليد اللحظة، بل هو تعبير عن بنية سياسية يمنية مأزومة اعتادت المساومات وعقد الصفقات وخلق التوازنات الهشة، لا على مشروع وطني جامع. ولهذا فإن انتظار الجنوبيين للسير في خطوات متقدمة نحو تحقيق مشروعهم الوطني حتى تتحرر صنعاء بيد قوى الشرعية أشبه بالمراهنة على سراب.
في المقابل، يقف الجنوب أمام مَفرِقِ طرق حاسم. فإذا كان عجز اليمنيين عن تحرير أرضهم أمرًا بات واضحًا، فإن الخطر الأكبر الذي يواجه الجنوبيين يكمن في الارتهان للحظة دون بناء مؤسسات دولتهم والاستعداد لأي مفاجئات، فالتحرك بلا رؤية مؤسسية واضحة قد يقود إلى تكرار دورات الفراغ الذي عرفتها المنطقة، حيث تُستنزف الطاقات وتضيع التضحيات.
إن بناء مؤسسات دولة جنوبية قوية لم يعد خياراً ثانوياً، بل ضرورة وجودية. فالجنوب لا يستطيع أن يبقى رهينة انتظار عودة الشرعية اليمنية التي لن تعود إلا كهيكل فارغ وعاجز عن الحركة. والبديل الحقيقي جنوبًا هو العمل الجاد لبناء منظومة دولة جنوبية قادرة على حماية الأرض وإدارة المجتمع وتحصين المكتسبات.
إن الدرس الأوضح الذي يجب أن يدركه الجنوبيون اليوم هو أن التحرير بلا مؤسسات لا يساوي شيئاً، وأن التفريط في فرصة بناء دولة راسخة قد يفتح الأبواب أمام قوى محلية ويمنية وإقليمية لإعادة إنتاج الفوضى.