منذ اللحظة الأولى التي بدأت تتهاوى فيها أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية مساء ليلة السبت الفائت، كتبت سلسلة منشورات تحذيرية وتنبيهية تؤكد أن ما يحدث للريال اليمني من هبوط مفاجئ بالتزامن مع موعد صرف مستحقات المواطنين الجنوبيين الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة السعودية والإماراتية ليس سوى لعبة محبوكة من قبل البنك المركزي اليمني والحكومة معا، بهدف استنزاف رواتبهم ومدخراتهم بالعملة الأجنبية. وأكدت مراراً وتكراراً أن الهدف الأساسي من وراء هذه اللعبة هو هدف سياسي بحت، يتمثل في تركيع الشعب الجنوبي عبر إهدار مقدراته وموارده المالية، ودفعه للخروج في مظاهرات سلمية في ظل الظروف المعيشية القاسية والمفتعلة التي يعاني منها، حيث ياتي الركوع على هيئة مظاهرات سلمية يقوم بها الشعب نتيجة الضغوط الاقتصادية المبرمجة التي تمارس عليه.
فما حدث للريال اليمني منذ مساء السبت من هبوط مفاجئ في قيمته لم يكن ناتجاً عن مضاربة الصرافين كما ادعى البنك المركزي في التعميم الذي أصدره في وقت لاحق، بعد فوات الأوان وبعد ان تمت عملية استنزاف أموال المواطنين بنجاح، بل كانت عملية مدبرة ومدروسة جرت بتعليمات وتوجيهات وتواطؤ من البنك المركزي نفسه. هذا التخبط في التصريحات والتوقيت يشير إلى أن الهدف الحقيقي كان إتمام عملية الاستنزاف المالي قبل أي إجراء ظاهري للاحتواء.
وتأكيداً على صحة ما ورد في منشوراتي بأن الهدف من وراء هذه العملية هو تركيع الشعب الجنوبي من خلال دفعه للخروج في مظاهرات سلمية، فإننا نرى الآن دعوات—تبدو في ظاهرها مستقلة ولكنها في الباطن مرتبطة باجندات سياسية تستهدف كسر ارادة الشعب الجنوبي والالتفاف على قضيته وتطلعاته —تحث المتضررين من العملية على الخروج في مظاهرات سلمية للمطالبة باستعادة أموالهم التي تم إهدارها في هذه العملية المصرفية العبثية. وفي إطار يستدعي الريبة، أصدر البنك المركزي اليمني تصريحاً يقول فيه إن أموال المواطنين التي تم اهدارها عبر عملية المضاربة أصبحت ملكاً للبنك المركزي، وذلك بهدف استفزاز الناس وتحويل تظاهراتهم تجاه البنك المركزي. وذلك لأن الجهات التي تقف خلف عملية المضاربة المدعومة من البنك المركزي تعلم أن المتضررين لن يخرجوا في مظاهرات سلمية ضد محلات الصرافة لأنها تقع في أماكن متفرقة، وبالتالي فقذ أراد البنك من خلال تلك التصريحات أن يوحدهم ويجمع كلمتهم ضده، مما يسهل تحويل غضبهم إلى جهة واحدة بحيث يسهل احتواءها وتحويل مسارها لخدمة أجندات سياسية.
هذه العملية ليست سوى حلقة في سلسلة من السياسات الاقتصادية الممنهجة التي تهدف إلى إخضاع شعب بكامله عبر التحكم في مقدراته المالية وتوجيه غضبه بشكل انتقائي في لعبة سياسية خطيرة تستخدم الاقتصاد كأداة للقمع والسيطرة، وتستغل حاجة الناس للطعام والشراب والاستقرار لتحقيق مكاسب سياسية. والنتيجة ليست مجرد خسارة مالية مؤقتة، بل هي تدمير متعمد للثقة بين المواطن والدولة، وضرب لكرامة الإنسان وحقه في العيش الكريم دون أن يكون رهينة لألاعيب السياسة وصراعات القوى.
إن ما يجري هو اختبار صريح لإرادة الشعب وقدرته على تمييز الحق من الباطل، وهو أيضاً تعبير صارخ عن كيف يمكن أن تتحول المؤسسات المالية من أدوات لخدمة الاقتصاد إلى أدوات لالتفاف على ارادة وتطلعات الشعوب. والخلاصة التي يجب أن تبقى راسخة في الأذهان هي أن الاستقرار الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق في ظل غياب الشفافية والنزاهة، وأن أي حل حقيقي يجب أن يبدأ بالاعتراف بالجريمة الاقتصادية التي ارتكبت بحق الناس، ومحاسبة كل من شارك في تخطيطها وتنفيذها دون الحاجة لاي مظاهرات سلمية