*- شبوة برس - المحامي جسار فاروق مكاوي
رغم اختلاف السياقات الجغرافية والسياسية بين عدن ورواندا، إلا أن المعركة ضد الفساد المالي والإداري تبقى قاسمًا مشتركًا، يشطر طريق الشعوب إلى اتجاهين: نهوض أو سقوط. ففي حين نجحت رواندا، الدولة الصغيرة الخارجة من مذابح أهلية مروّعة، في بناء نموذج عالمي للحوكمة الرشيدة، ما تزال عدن والجنوب ترزحان تحت وطأة منظومات فساد متجذرة تتكاثر في الفراغ وتعيش على ركام الأمل.
الفساد في عدن: غول متعدد الرؤوس
يُعد الفساد في عدن أحد أكثر مظاهر التدمير الممنهج للدولة، تجذر في العقود التي أعقبت حرب 1994، حيث تم تفكيك مؤسسات الجنوب، وإقصاء الكوادر الإدارية والكفاءات، وتحويل الدولة إلى أداة للجباية والنهب المنظم. بعد عام 2015، بدت الفرصة سانحة لاستعادة زمام الأمور، إلا أن غياب الدولة المركزية، وتعدد مراكز النفوذ والصراع، أتاح للفساد أن يتغلغل مجددًا، في شكل "جمهوريات صغيرة" داخل الدولة، لكل منها شبكتها من الحمايات والمحسوبية.
الفساد لم يكن محصورًا في المال العام فقط، بل تمدد إلى الإدارة، التوظيف، المشاريع، المناقصات، وحتى العدالة نفسها، فأصبح المواطن رهينة منظومة إدارية فقدت البوصلة الوطنية، وتتعامل مع الشأن العام كغنيمة حرب.
رواندا: كيف تحوّلت من رماد إلى أنموذج؟
خرجت رواندا من الإبادة الجماعية في 1994 بدمار شبه شامل، لكنها أدركت مبكرًا أن معركتها الحقيقية ليست فقط في إعادة الإعمار، بل في إعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.
اعتمدت الحكومة بقيادة بول كاغامي استراتيجية حازمة تقوم على:
1. صفر تسامح مع الفساد.
2. منظومة قضائية قوية ومستقلة.
3. رقابة صارمة على الأداء الحكومي.
4. توظيف التكنولوجيا لتعزيز الشفافية.
بحلول 2024، أصبحت رواندا واحدة من أقل الدول الإفريقية فسادًا، وجذبت استثمارات دولية ضخمة، وأنشأت بيئة مؤسسية يُحتذى بها.
الجنوب: هل يمكن أن نقتدي برواندا؟
الجنوب أمام مفترق طرق مشابه. لا تنقصنا الكوادر ولا الخبرات، بل الإرادة السياسية والتصميم.
اليوم، ونحن على مشارف تحولات كبرى في الإقليم، ونتحدث عن استعادة دولة الجنوب، من غير المعقول أن نؤسس هذه الدولة على ذات الأرضية الفاسدة التي أطاحت بسابقاتها.
لكبح جماح الفساد في عدن والجنوب، نحتاج إلى:
1/هيئة رقابة مستقلة فعليًا، غير خاضعة للمحاصصة أو النفوذ.
2/قضاء جنوبي قادر على محاسبة كبار الفاسدين لا صغار الموظفين.
3/إدارة مالية موحدة وشفافة تحت إشراف جنوبي.
5/قوانين جديدة تستلهم تجارب الدول الناجحة، خاصة في شرق إفريقيا.
6/شراكة حقيقية مع المجتمع المدني والإعلام في فضح التجاوزات.
الفساد ليس ظاهرة طبيعية، بل منظومة متعمدة. وبقدر ما هو تحدٍ إداري، فهو أيضًا معركة قيم وشجاعة سياسية. السؤال لم يعد هل يمكننا القضاء عليه؟ بل: هل نحن جادون؟
(رواندا فعلتها).
فلماذا لا تفعلها عدن والجنوب؟