في ذكرى الوحدة اليمنية، لا تنفع العبارات الإنشائية ولا يمكن الاستمرار في تزييف الوعي بشعارات ثبت فشلها على أرض الواقع، لقد انتهت الوحدة عمليًا منذ زمن، ولكن ما ينبغي التوقف عنده اليوم ليس فقط إعلان موت مشروع سياسي، بل استيعاب دروسه، لا يمكن لأي من الشعبين، في الجنوب أو الشمال، أن يبني دولة وطنية حديثة ما لم يعترف بالواقع ويتجاوز الأوهام.
فشل التجربة الوحدوية لا يعني نهاية التاريخ، بل يشكّل بداية لوعي جديد لا بد أن ينبني على إدراك صريح للواقع، فبينما بات الانفصال الجغرافي والسياسي أمرًا واقعًا، يبقى التحدي الحقيقي غير مرتبط بترسيم حدود، بل بتحصين الوعي الوطني من الانزلاق نحو مشاريع دينية متطرفة تستغل الشعارات الهوياتية لتقويض الدولة من الداخل، لا الحوثية ولا الإخوانية في اليمن، ولا حتى بقايا المتأخونين في الجنوب، قادرة على تقديم نموذج قابل للبقاء أو التطور.
الشعبان مطالبان اليوم بتفهم معطيات اللحظة التاريخية، والانصراف نحو بناء مشروعين وطنيين يقومان على احترام التعدد والحق في الاختلاف، لا على تصدير الكراهية أو توظيف الدين في الصراع السياسي، فالتحدي الأكبر لم يعد سياسيًا بقدر ما هو فكري – هزيمة الأيديولوجيا المتطرفة، سواء لبست عباءة الإمامة أو قناع الثورة.
الجنوبيون ناضلوا بشرف وعلى أبناء اليمن أن يحذوا حذوهم ويخلعوا عنهم جلباب لا يليق بهم أن يلبسوه فكما أسقطوا الإمامة ذات يوم عليهم أن يسقطوا الحوثي في صنعاء.