الحالة اليمنية كما يسميها مجلس الأمن

2025-03-16 10:13

 

الحالة اليمنية كما يسميها مجلس الأمن الدولي الذي وضع الدولة اليمنية تحت الفصل السابع قبل انقلاب الحوثي على السلطة بطلب من الرئيس التوافقي، يقع في جوهرها استعادة دولة الجنوب (ج ي د ش) التي دخلت في مشروع وحدة مع الشمال (ج ع ي) وفشل، وتم احتلال الجنوب من قبل القوات الشمالية وتدمير دولته واستباحة أراضيه ومحاولة طمس هويته ونهب ثرواته، حيث قاوم شعب الجنوب ذلك ونجلت تلك المقاومة في المقاومة العسكرية للاحتلال ثم بعد أن اجتاحت الجيوش الشمالية الحدود ظهرت المقاومة السلمية في أفضل صورها منذ 2007م بصورة الحراك السلمي وظهرت أزمة السلطة في نظام الاحتلال في صنعاء وكانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي رفض علي صالح الرئيس اليمني الأسبق التوقيع عليها إلا بشرط أن يتم حل قضية شعب الجنوب.

 

في إطار الوحدة جاء مؤتمر الحوار اليمني الذي لم يستطع أن يتقدم في لجنة بناء الدولة إلا بعد أن تحدد الحل لقضية شعب الجنوب في إطار لجنة القضية الجنوبية والحوار الجنوبي الشمالي في إطار لجنة الـ 16 وأقر المؤتمر فشل مشروع الوحدة وإعادة بناء الدولة على أساس اتحادي ومن حق شعب الجنوب تقرير مصيره، وذلك قبل أن يتم الالتفاف على مخرجات الحوار وتفويض الرئيس بتحديد عدد الأقاليم بين 2 وخمسة ورفض الجنوبيين هذا الحل لأنهم يطالبون باستعادة دولتهم وانسحب من المؤتمر من شارك فيه من الجنوبيين، أما المكون الثاني لما يسميها مجلس الأمن بالحالة اليمنية هو حل مشكلة السلطة في صنعاء الذي تصاعد أكثر بعد رفض الجنوبيين لمخرجات حوار صنعاء واستمرارهم في الحراك السلمي، مما أدى إلى تصاعد أزمة صنعاء ودخل هذه المرة الحوثيون بقوة وانقلبوا على السلطة وتجلت الأزمة على شكل صراع بين الانقلابيين الحوثيين والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لكن إطار الحل بالنسبة لهم هو نتائج مؤتمر حوار صنعاء وإنفاق السلم والشراكة.

 

أما الحديث عن استعادة الدولة اليمنية التي كانت قائمة قبل انقلاب الحوثي فهو حل غير منطقي، حيث قد جرت في النهر مياه كثيرة وكل هذا التضحيات والآلام التي عاني ومازال يعاني منها شعبا الجنوب والشمالي لا يمكن أن يعودوا إلى دولة كان مجلس الأمن قد وضعها تحت البند السابع لتهديدها الأمن والسلم العالميين دولة احتلال الجنوب ولا يمكن أن يقبل شعب الجنوب بالعودة تحت دولة الاحتلال.

 

وقد كثرت التساؤلات والملاحظات حول تأجيل حل قضية شعب الجنوب (استعادة الدولة الجنوبية) إلى بعد حل مشكلة السلطة بين الحوثيين والحكومة اليمنية المنقلب عليها على عكس ما كان قد جرى في مؤتمر حوار صنعاء كما أوضحناه سلفا، وأعتقد أن ذلك يعود إلى أنه لا يوجد طرف شمالي حاليا مؤهلًا للاتفاق مع الجنوبيين حول الحل، فأغلب أراضي الجمهورية العربية اليمنية (الشمال) تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين الذين لا يعترف بهم العالم، وفي نفس الوقت المجتمع الدولي والإقليمي يعترف بالحكومة اليمنية التي انقلب عليها الحوثي المطرود من صنعاء (حكومة المناصفة اليوم) بين الشمال والجنوب، وهناك قوى وطنية شمالية تعارض الحوثيين وتسيطر على أجزاء من أراضي الشمالي ومدعومة إقليميا ودوليا وهي ضمن حكومة المناصفة المعترف بها دوليا.. هذا التشتت في الطرف الشمالي في تقديرنا أدى إلى ترحيل قضية شعب الجنوب، لكن بشرط أن هذا الترحيل لا يودي إلى أن يكون شكل الدولة اليمنية إطارا لحل قضية شعب الجنوب، ولا أن يذهب الجنوب مرة أخرى إلى أحضان الدولة اليمنية، ولا تفوض المفاوضات مع الحوثي عوامل نجاح استعادة دولة الجنوب ولا تأثر عليها، وفي هذا السياق فقد تحددت مهام حكومة المناصفة في الآتي:

 

- حل المشكلة مع الحوثي حربا أو سلما.

- تحسين الخدمات والاقتصاد في الجنوب وبقية المناطق المحررة.

 

وفي نفس الوقت، فإن هناك اتفاقا بين الشماليين والمجلس الانتقالي الجنوبي المتحالفين في حكومة المناصفة بالذهاب إلى العملية السياسية مع الحوثي تحت إشراف الأمم المتحدة وبإطار خاص لقضية شعب الجنوب.

 

هذه هي الحيثيات لتأجيل حل قضية شعب الجنوب، وبالوقت الذي فيه لهذه العملية سلبياتها ومنها إدارة حكومة المناصفة الجنوب وباسم الدولة اليمنية، وهذا أعاق الجنوبيين من إدارة بلادهم وأصبحوا مشاركين فقط، وفي نفس الوقت فإن الحكومة اليمنية تعتمد في نفقاتها على موارد الجنوب وهي تعتبر نفسها مسؤولة عن الجنوب والشمال بالوقت الذي فيه موارد الشمال لا تدخل في إيرادات الحكومة اليمنية بل تذهب للحوثي وتصل نفقاتها إلى ما يزيد عن ثلاثة ترليونات ريال يمني تعتمد على موارد الجنوب، وهذا أثقل كاهل شعب الجنوب الاقتصادي والخدمي، ناهيك عن الترويج لأجندات سياسية تتعارض مع تطلعات شعب الجنوب واستخدام الخدمات والحالة المعيشية لابتزاز الجنوبيين في إرادتهم السياسية وما يترتب على هذه السلبيات من آثار خطيرة على تطلعات شعب الجنوب، وفي نفس الوقت فإن لها إيجابياتها فهناك الكثير أمام الجنوبيين ينبغي عليهم إنجازه قبل الولوج في العملية السياسية، ينبغي إنجازه خلال هذه الفترة ومنها الوحدة الوطنية الجنوبية وتعزيز السيطرة على أرضهم وبناء مؤسسات الدولة والقدرات الدفاعية ومكافحة الإرهاب وتحسين الأوضاع المعيشية والخدمية وتعزيز وتطوير علاقتهم الخارجية وكسب مؤيدين لهم في المجتمع الإقليمي والدولي حتى يمكنهم من الوصول إلى العملية السياسية أقوياء قادرين على تحقيق تطلعات شعب الجنوب.

 

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل هذا في مصلحة الجنوب وتحقيق تطلعاته في استعادة دولته أم العكس؟

الرد على ذلك ينبغي أن نعود إلى ما بعد انتصار الجنوبيين بدعم التحالف العربي في 2015م وكيف كاد النصر الجنوبي يسرق منهم لصالح الحكومة اليمنية لعدة أسباب أهمها أن الجنوبيين لم يبادروا لإدارة الجنوب ربما لأنه لا يوجد لهم كيان موحد لديه هذه الرؤية حينها حتى تم تشكيل المجلس الانتقالي الجنوبي في 2015م وقد تطلب وقتا لبناء هيكل المجلس وتوحيد الجنوبيين وقوى الحراك الجنوبي السلمي تحت قيادة سياسية واحدة وإعادة تنظيم المقاومة الجنوبية وبناء قوات جنوبية ومكافحة الإرهاب الذي كاد يدمر الانتصار ويهدد شعب الجنوب ومصالح المجتمع الإقليمي والدولي، وفي ظل جهوده تلك برزت التناقضات مع الشرعية الشمالية وخاض الجنوبيون صراعا قويا في هذا الاتجاه وتمكنوا من تحقيق الانتصارات، لكن في ظل ضغوط إقليمية ودولية للتمسك بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا فكان الانتقالي أمام خيارين:

 

- أن يكمل انتصاراته وطرد الحكومة اليمنية والدخول في صراع مع المجتمع الإقليمي والدولي.

 

- المضي بالاتفاق مع الحكومة اليمنية بحيث يكتسب من خلال ذلك الشرعية الخارجية، لأن شرعيته الداخلية محققة بالتفويض الشعبي وضمان حقه في تحقيق تطلعاته من خلال الحفاظ على انتصاراته والتوافق على حل قضية شعب الجنوب في العملية السياسية، وهذا ما حصل، واليوم فالسؤال المهم هو في ظل التدهور الحاصل في العملة وفي الخدمات والمرتبات والنزوح الذي يكاد يتحول إلى استيطان وفتح السوق الجنوبية أمام الصادرات الشمالية بدون أي رسوم وتحويل مبيعاتهم بالعملة الصعبة في ظل العملتين، فما هي الخيارات أمام المجلس الانتقالي الجنوبي؟.

 

إن عدم الاعتراف الصريح من النصف الشمالي المشارك في حكومة المناصفة بحق الجنوبيين في استعادة دولتهم وعدم تشكيل الوفد التفاوض وإنتاج الإطار الخاص بقضية شعب الجنوب ونحن وهم في جبهة واحدة، فهل ننتظر منهم اعترافا بعد عودتهم إلى صنعاء وحل المشكلة مع الحوثي؟.. أسئلة مهمة يجب الإجابة عليها وتحويلها إلى برنامج عم