د. لقور بن عيدان: علي ناصر أفصح عن نهج القوميين والاشتراكيين بفرض الوحدة على الجنوب
*- شبوة برس - «الأيام» خاص:
لقور: علي ناصر يتخذ من الوحدة درعا يحميه من المحاسبة
> اعتبر الباحث والأكاديمي د. حسين لقور بن عيدان أن مقابلة الرئيس علي ناصر مع قناة BBC تسلط الضوء على مواقف القوى القومية والاشتراكية الجنوبية التي قال إنها لا تزال تتمسك بفكرة الوحدة مع اليمن، رغم الرفض الشعبي الجنوبي الواضح، الذي تجلى في ثورة الحراك السلمي 2007 والمقاومة المسلحة في 2015 ضد الحوثيين وأنصار صالح.
وأوضح د. لقور في تصريح خاص لـ "الأيام" أن هذا التمسك ينبع من عدة دوافع أولها الخوف من المحاسبة على فترة حكم القوميين والاشتراكيين بين 1967 و1990، حيث شكلت الوحدة درعًا يحميهم من المساءلة عن الأخطاء والانتهاكات التي وقعت خلال تلك الحقبة.
وقال لقور، "كان قراءة عناوين مقابلة الرئيس علي ناصر مع بي بي سي كافيةً، لتدرك وتتفهم دوافع فلول القوميين والاشتراكيين الجنوبيين أو من يُطلق عليهم يمنيًا "الوحدويين"، الذين يتمسكون بفكرة الوحدة مع اليمن رغم الرفض الشعبي الواضح في الجنوب، كما أظهرته ثورة 2007 السلمية ضد نظام صنعاء، ومقاومة 2015 ضد الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح المعروفين بالعفاشيين".
وأضاف: هنالك عدة زوايا يمكن القراءة من خلالها هذا الموقف بناءً على السياق التاريخي والسياسي للصراع القائم:
أولا - الخوف من المساءلة عن ماضي هؤلاء القوميين والاشتراكيين الذين قادوا الجنوب العربي باسم اليمننة في الفترة من 1967 إلى 1990 (عهد الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي)، فهم يرون في الوحدة درعًا يحميهم من مواجهة المسؤولية عن أخطاء وجرائم ارتُكبت خلال حكمهم، أي فترة حكم الجبهة القومية والحزب الاشتراكي التي شهدت صراعات داخلية عنيفة، واضطهادًا للمعارضين، وقمعًا للتنوع الثقافي والسياسي في الجنوب، وكذلك التمسك بالوحدة قد يكون محاولة للحفاظ على رواية أو سردية تبرر أفعال تلك الفترة كجزء من "مشروع قومي" أكبر، بدلاً من فتح المجال لمحاسبتهم على تلك الأفعال إذا استعاد الجنوب استقلاله.
ثانيا - الدفاع عن الهوية السياسية والأيديولوجيا للقوميين والاشتراكيين التي تربط فكرة "اليمننة" ارتباطًا وثيقًا بهويتهم الأيديولوجية والتي بُنيت على أساس القومية العربية والاشتراكية، هذه الأيديولوجيا رأت في الوحدة مع اليمن (الجمهورية العربية اليمنية) هدفًا استراتيجيًا لتوحيد "الأمة العربية سابقا ونشر الفكر الاشتراكي لاحقًا" تحت راية واحدة، وحتى مع فشل التجربة الذريع عمليًا، يصبح التخلي عن هذا المشروع بمثابة اعتراف بانهيار مشروعهم السياسي الذي كرسوا له شعاراتهم عقودًا، وهو ما قد يفسر تعلقهم به رغم الرفض الشعبي.
ثالثا - المصالح الشخصية والسياسية، حيث منح نظام الوحدة العديد من القادة الجنوبيين السابقين مناصب ونفوذًا في نظام اليمن بعد 1990، حتى وإن كان ذلك تحت هيمنة القوى اليمنية، فالتخلي عن الوحدة يعني فقدان هذا النفوذ المحدود والمصالح، وربما مواجهة تهديدات من قوى جنوبية جديدة (المجلس الانتقالي وقوى الاستقلال الجنوبي) التي قد لا ترى لهم مكانًا في مستقبل الجنوب المستقل، بالتالي التمسك بالوحدة قد يكون مرتبطًا بتأمين مصالحهم الشخصية أكثر منه بقناعة حقيقية.
رابعا - رفض الاعتراف بإرادة الشعب الجنوبي، فمنذ بداية الحراك الجنوبي في 2007 حاول الاشتراكيون السيطرة عليه لتجييره لحسابهم ونجحوا إلى حد ما في جر بعض فصائل الحراك الجنوبي، لكن شعب الجنوب أظهر ومازال رفضًا واضحًا للمشاريع الناقصة التي حملوها، كالفيدرالية ورفضًا للوحدة بالمطلق من خلال مظاهرات سلمية واسعة، ثم لاحقًا عبر مقاومة مسلحة ضد الحوثيين وأنصار صالح في 2015، ومازال هؤلاء الوحدويون في الغالب يصورون هذا الرفض الجنوبي كـ "مؤامرة خارجية" أو "حالة مؤقتة" بدلاً من الاعتراف بأنه إرادة شعبية حقيقية، هذا الإنكار ينبع من عدم قدرتهم على تقبل أن الوحدة التي روّجوا لها لم تحقق الاستقرار أو العدالة التي وُعد بها الجنوبيون وجاءت بالخراب للجنوب، بل تحولت إلى هيمنة يمنية مطلقة وتهميش للجنوبيين.
خامسا - ارتباط عدد منهم بقوى إقليمية ويسارية تدعم الوحدة كجزء من استراتيجيتها العبثية في الإقليم لضمان بقاء الجنوب محكومًا من صنعاء تحت نفوذها من خلال الحوثيين ومن يتحالف معه، بدلاً من جنوب مستقل يندمج في نسيج شعوب المنطقة ويصبح لاعبًا مؤثرًا في المنطقة، هذا الدعم الخارجي قد يكون شجع هؤلاء على التمسك بمواقفهم، حتى مع تصاعد المقاومة الجنوبية لمشروعهم الوحدوي، لكن مع تغير الأوضاع، خاصة بعد 2015 والحضور القوي للمجلس الانتقالي الجنوبي، بدأ هذا التأثير يتراجع، مما يجعل موقف من بقي من هؤلاء الوحدويين الجنوبيون أضعف بكثير مما كان عليه.
سادسا - الخوف من المستقبل الذي يشعر به القوميون والاشتراكيون ومكانهم في تاريخ الجنوب العربي جعلهم يروّجون لرواية تاريخية تصور الوحدة مع اليمن كـ "إنجاز تاريخي" يحسب لهم لا يمكن التراجع عنه، ويخشون أن استعادة الجنوب لاستقلاله ستُعيد كتابة هذا التاريخ بطريقة تُظهر فشلهم بل حتى غدرهم بمستقبل الجنوب العربي، وأن هناك مخاوف لديهم من أن استقلال الجنوب قد يفتح الباب لسقوط حلفائهم في اليمن، مما يهدد بسقوط نهائي لمشروعهم القومي من وجهة نظرهم.
ما لم تستطع عقولهم استيعابه هو أن شعب الجنوب ثار بدونهم وقدم تضحيات كبيرة سواء في ثورة الحراك السلمية منذ 2007 أو في مقاومته للغزو الحوثي - العفاشي في 2015، بهدف واضح هو الخروج من الوحدة مع اليمن وإسقاط "اليمننة". هذه التضحيات تعكس إرادة شعبية قوية لاستعادة الهوية الجنوبية والسيادة، لكن التمسك بالوحدة من قبل هؤلاء يبدو منفصلاً عن هذا الواقع، وربما يعكس تشبثًا بماضٍ سياسي أكثر منه رؤية مستقبلية تتماشى مع تطلعات الجنوبيين.
في الأخير يمكن القول إن تمسك هؤلاء بالوحدة قد يكون مزيجًا من الخوف من المحاسبة، التشبث بالأيديولوجيا والمصالح الشخصية، ورفض الاعتراف بفشل مشروعهم، لكن مع استمرار رفض الجنوبيين لهذا المشروع، كما أظهرته ثورة الحراك السلمي الجنوبي 2007 والمقاومة الجنوبية في 2015، يبدو أن هذا التمسك بالوحدة يفقد أرضيته يومًا بعد يوم، خاصة مع تصاعد قوى الثورة الجنوبية والاستقلال والمجلس الانتقالي كممثلين لتطلعات الشعب الجنوبي في استعادة الهوية الجنوبية وبناء دولة جنوبية اتحادية.