الكلمة بين نص القانون وميزان العدالة

2025-02-22 23:20

 

المحاماة ليست مجرد مرافعة في قاعة المحكمة، وليست فقط نصوصًا تُرتب على الورق، إنها فن البحث عن الحقيقة وسط ركام الادعاءات، وهي مهنة تقف عند الحد الفاصل بين النص والتأويل، بين الحق والباطل، بين الظلم والإنصاف.

 

القانون كلمات، لكنها في يد القاضي ميزان، وفي فم المحامي سلاح، وفي عقل الظالم وسيلة للالتفاف على الحقيقة. هنا، لا يكفي أن تعرف النصوص، بل يجب أن تفهم روحها، أن تزنها بعقل واعٍ، أن تدافع بها لا عنها، أن تجعلها درعًا للمظلوم لا سيفًا في يد الظالم.

 

كم من نصٍّ استُخدم ضد غايته، وكم من حقٍ سُلب بحجة القانون، وكم من حكم صدر باسم العدالة وهو أبعد ما يكون عنها؟ هنا يكون دور المحامي، ليس كمن يبحث عن ثغرة في القانون، بل كمن يبحث عن جوهر العدالة فيه، كمن يجعل من الكلمة حصنًا للحقوق، لا متاهة تضيع فيها الحقيقة.

 

المحامي الحقيقي لا يترافع لكسب القضايا فحسب، بل ليحفظ للعدالة مكانها، ليجعل من كلماته حائطًا يقف أمام الظلم، ليُثبت أن النصوص ليست جامدة، بل تنبض بالحياة حين تُقرأ بعين الإنصاف.

فالفرق بين القانون والعدالة هو ذات الفرق بين الحروف والمعاني، بين النص والروح، بين من يقرؤه ليستخدمه، ومن يقرؤه ليُقيم به ميزان الحق.

 

حرصنا أن يكون للعدل قيمته، وأن يظل شجرةً وارفةً تُظلّل من يلجأ إليها، فلا تميل مع الريح، ولا تنحني أمام العواصف. العدل ليس مجرد حكم يُكتب على الورق، بل ميزانٌ تُقاس به الحقوق، وسيفٌ يُرفع في وجه الظلم، وملاذٌ آمن لكل من سُلب حقه أو طُمس صوته.

 

نؤمن أن العدالة لا تُباع ولا تُشترى، ولا تُساوم عليها المصالح، فهي ليست امتيازًا يمنحه القوي للضعيف، بل حقٌ أصيل لكل إنسان. ولهذا، كان حرصنا أن تظل قائمة، لا تهزها الأهواء، ولا تعصف بها المصالح، بل تبقى شامخة كالشجرة التي لا تمنع ظلها عن أحد، ولا تُسقط أوراقها إلا لتجدد حياتها، لا لتتخلى عن جذورها.

فما قيمة العدل إن كان لا ينصف المظلوم؟ وما قيمة القانون إن كان يُستخدم سيفًا للبطش بدلًا من أن يكون درعًا للحماية؟ إن العدالة التي لا يشعر بها الجميع ليست بعدالة، والقانون الذي لا يُطبق على الجميع ليس بقانون.

 

ولهذا، سنبقى نحرس هذه الشجرة، نرويها بروح القانون، و نسندها بقوة الحق، حتى لا تنكسر أمام ريح الفساد، ولا تجف أمام جفاف الضمائر.

 

المحامي/جسار مكاوي .