"جنوبيون في المشهد.. شماليون في السلطة" ليست مجرد عبارة عابرة، بل تلخيص دقيق لمفارقة مريرة يراها الجنوبيون يوميًا ويتجرعون آثارها منذ عقود. إنها الصيغة التي تلخص معادلة الاختلال السياسي في اليمن منذ وحدة 1990 وحتى اللحظة، وإنْ اختلفت الوجوه وتعددت الأطر.
فالجنوبي، وإن تصدّر المشهد بصورته واسمه، في جبهات القتال أو مكاتب الخدمة العامة، يبقى في نظر منظومة السلطة مجرد أداة تُستخدم ثم تُركن جانبًا عند ساعة القرار.
ذلك لأن مركز القرار الحقيقي ما زال يحتكر في دوائر شمالية، تتحكم بالمقدّرات، وترسم السياسات، وتعيد توزيع الأدوار على قاعدة "رضينا لكم بالواجهة فدعوا لنا الجوهر".
لقد خاض الجنوب حربًا ضروسًا في 2015، ودفع خيرة أبنائه دفاعًا عن الأرض والعقيدة والهوية، ولم يكن الهدف استبدال احتلال خارجي بهيمنة داخلية، ولا استبدال رموز بأخرى. ومع ذلك، استمرت هيمنة القرار السيادي والمالي والعسكري في يد أطراف شمالية، تُنصّب نفسها وصيًا على الجنوب، وتتعامل مع قضيته كملف هامشي قابل للتسويف.
اليوم، وفي ظل تعاظم دور المجلس الانتقالي الجنوبي ومطالبه المشروعة باستعادة الدولة، نجد أن الجنوب – رغم وضوح تطلعاته السياسية وشعبية قضيته – ما زال يُدار عبر أدوات شمالية، تفرض عليه شركاء لا يؤمنون بحقه في تقرير المصير، بل يستميتون لإبقائه تابعًا لمركزية مشوهة.
فأين الخلل؟
الخلل في بقاء أدوات الحكم وموارد الدولة بيد من لم يعترف يومًا بمظلومية الجنوب، ولا يزال يستثمرها لبناء نفوذ شخصي أو حزبي على حساب مستقبل الملايين. والخلل في تمثيل شكلي للجنوبيين، لا يتجاوز التعيينات الشكلية والتمكين الشكلي دون صلاحيات حقيقية.
العدالة تقتضي أن يُمنح الجنوب الحق الكامل في إدارة شؤونه، وفي أن تكون له سلطة فعلية تنبع من إرادة شعبه، لا أن يظل مجرد ديكور في مشهد تكتبه أيادٍ من خارجه.
إن الاستمرار في هذه المعادلة المختلة لن يفضي إلى سلام، ولن ينتج استقرارًا، بل سيبقي الجراح مفتوحة، وسيستمر الجنوبي في طرح سؤاله المرّ: "إذا كنا في المشهد، فلماذا لسنا في القرار؟"