في ظل الضغوط السياسية والاجتماعية والإقتصادية التي يعيشها شعب الجنوب، تتجلى بوضوح العلاقة المتوترة بين الضغط المفرط الذي يُمارَس على الشعوب وبين ردود الفعل القوية التي قد تكون النتيجة الحتمية لهذه الضغوط. الجنوب، الذي قدم تضحيات كبيرة وأظهر التزاماً ومرونة عالية وتحمل الكثير من التنازلات على مدار سنوات الصراع، يجد نفسه اليوم في موقف يختبر صبره وقدرته على التحمل. غير أن الواقع يظهر بوضوح أن التنازلات لا تقابلها استجابة فعلية أو نية حقيقية لتطبيق القوانين أو احترام الحقوق المشروعة، مما يعزز فكرة أن القوة وحدها، وليست القوانين، هي التي تصنع التغيير وتفرض الحقوق. القوانين، التي من المفترض أن تكون أساس العدالة والنظام، تصبح بلا قيمة عندما تتحول إلى مجرد نصوص دون تطبيق فعلي.
في الجنوب، تتكرر هذه الحالة بصورة مؤلمة؛ فالاتفاقات الدولية والإقليمية، مثل اتفاق الرياض، تضمنت بنود واضحة تتعلق بإعادة انتشار القوات واحترام إرادة الجنوبيين في إدارة شؤونهم. ولكن بدلاً من تنفيذ هذه البنود، نرى مماطلة مستمرة ومحاولات لتكريس الهيمنة والسيطرة الشمالية، مما يجعل هذه القوانين غير ذات جدوى في أعين الشعب الجنوبي. هذا الفشل في تطبيق القوانين يعزز الشعور بالإحباط لدى الجنوبيين، ويزرع لديهم نظرة أن تحقيق الحقوق يتطلب اللجوء إلى القوة وليس الاعتماد على نصوص القانون.
التاريخ مليء بالأمثلة التي توضح أن الشعوب التي تعيش تحت ضغط مستمر دون تحقيق العدالة أو الإنصاف تلجأ في النهاية إلى القوة كوسيلة للتعبير عن حقوقها. الجنوب ليس استثناءاً من هذه القاعدة. فعندما يتم التحايل على مطالب الشعب الجنوبي، ويتم فرض أجندات لا تخدم مصالحه، يصبح اللجوء إلى القوة خيار منطقي في نظر الكثيرين. هذه ليست دعوة للعنف، بل هي قراءة للواقع الذي يظهر أن الشعوب المظلومة ترى في القوة الوسيلة الوحيدة لتحقيق العدالة وإعادة الأمور إلى نصابها.
ما يزيد من تعقيد المشهد هو أن القوى الشمالية، التي تستمر في التلاعب باتفاقات الشراكة والمماطلة في تنفيذ البنود التي نصت على إخراج القوات لمحاربة الحوثيين، تسعى من خلال ذلك إلى تعزيز سيطرتها على الجنوب. القوات الشمالية الموجودة في حضرموت، والتي كان يفترض أن تنسحب وفق اتفاق الرياض، لا تزال تشكل تهديداً مباشراً للجنوب، خاصة مع تورطها في أنشطة غير قانونية مثل تهريب الأسلحة والمخدرات، بل وحتى التورط في حوادث أليمة مثل مقتل جنديين سعوديين. هذه التصرفات تعطي الانطباع بأن القانون لا يطبق على الجميع بالتساوي، وأن القوانين تصبح أدوات بيد الأقوياء لفرض هيمنتهم بدلاً من أن تكون ضماناً للعدالة.
الضغط المفرط على الجنوب لا يقتصر على الجانب العسكري والسياسي فقط، بل يمتد إلى الجانب الاجتماعي والاقتصادي. مع استمرار هذا الضغط، يصبح الانفجار نتيجة حتمية، ليس فقط كرد فعل طبيعي للشعوب التي تشعر بالظلم، بل كوسيلة لإعادة تصحيح مسار الأمور. عندما يشعر شعب الجنوب أن القانون لا يحمي حقوقه وأن الاتفاقات لا تنفذ، فإنه قد يلجأ إلى القوة لفرض النظام والقانون. وهذه ليست مجرد فرضية؛ بل هي حقيقة واقعية أثبتتها العديد من الحالات حول العالم حتى في الدول الأكثر ديمقراطية.
في الجنوب، الفكرة القائلة بأن (القوة هي التي تمنح الحقوق) بدأت تجد صدى لدى العديد من الناس. هذه الفكرة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة لعقود من الإحباط والإستغلال والفساد والمماطلة والتحايل والتلاعب بمصير شعب تحمل الكثير. إذا استمر الوضع الراهن دون معالجة حقيقية، فإن خطر الانفجار يزداد، مما قد يؤدي إلى مرحلة جديدة من الصراع لن تكون في مصلحة أي طرف.
المجتمع الدولي والدول الراعية لاتفاق الرياض، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، أمام مسؤولية كبيرة لمنع حدوث هذا السيناريو. تنفيذ بنود الاتفاق، وخاصة المتعلقة بإخراج القوات الشمالية من حضرموت، ليس فقط التزاماً قانونياً بل ضرورة ملحة للحفاظ على السلم والاستقرار. تجاهل هذه المطالب يعني أن الجنوب لن يجد خياراً سوى اللجوء إلى وسائل أخرى لتحقيق أهدافه، وهي وسائل قد تكون إجبارية إذا استمر الضغط وعبث ميليشيا المنطقة العسكرية الأولى في حضرموت.
شعب الجنوب تحمل الكثير من التنازلات وأظهر مرونة إستثنائية ممثلة بقيادته في المجلس الإنتقالي الجنوبي، ولكن الضغط المستمر دون إحترام إرادة شعب الجنوب، سيؤدي حتماً إلى انفجار. هذا ليس تهديداً، بل هو رسالة مستمدة من دروس التاريخ وواقع الشعوب. إذا أرادت الأطراف الدولية والإقليمية والشمالية الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، فعليها أن تعي أن احترام إرادة شعب الجنوب وتطبيق القوانين بشكل عادل هما السبيل الوحيد لتحقيق السلام الدائم.
*- شبوة برس وعين الجنوب