الكهرباء وعودة "ريوم المطلّقة" إلى زوجها..

2024-11-26 18:33

 

قصة الكهرباء في هذه البلاد ، ذكَّرتني بالعم مقبل احمد ، رحمه الله ، كان صاحب نكتة لاذعة ، ولديه معرفة بقادة الجبهة القومية ، فمن الرئيس سالمين ، إلى علي عنتر ، إلى عبدالله باذيب ، إلى شائع إلى إلى ..

 

أغلب هؤلاء القادة قدر لهم معرفة الرجل ، بما يملكه من لسان قاذع ، فتَّاك ، خارق ، لذا ما من مسؤول رفيع زار جبل جحاف الَّا والتقى به في مركز المديرية حاليًا " السرير " فلسانه سليط ، وتعليقاته ساخرة هازئة ، وتجدها حاضرة بقوة وأين حل أو ارتحل .

 

وما هو معلوم عنه ، كان دائم الإشكال مع زوجته " ريوم " ، وبسبب لسانه - أيضًا - وحنثه الشهير ( هيه طالقة ) ، حنقت ومكثت في بيت أهلها لمرات عدِّة ، وفي كل مرَّة كان زوجها يذهب لمراجعة والدها ، فيعود بها دون عناء أو كُلفة .

 

وحدث أنَّ والد زوجته توفاه الله ، فلم يتوقف الحنق ، فأبى شقيقها الأكبر إرجاعها رغم ما بذله الزوج من جهد ، ومن مسعى ووساطة ، فجميعها باءت بالفشل نتيجة ممانعة صهره .

 

العم مقبل كان محبًا وولعًا بزوجته، فقلبه لا يماثل لسانه مطلقًا، وعندما طال الهجران، دونما يتسنى له إعادة حبيبة قلبه إلى داره الحزين، قرَّر التوجه إلى عدن ، على ما بها من مشقَّة في ذاك الوقت .

ومن سوء حظِّه أن زيارته صادفت مع إنشغال قادة البلاد والعباد بترتيبات ما بعد المؤتمر التوحيدي لفصائل العمل السياسي، في منتصف السبعينات من القرن الفائت .

 

حاول وبكل السُبل أن يقابل أحدهم ، لكن حراسات هؤلاء منعته لأيام متتالية ، وبعد أن ضاق ذرعًا ، ضرب بعصاه قضيب الحديد علَّه يسمع صوته ، افتعل ضجيجًا ، وافلح في لفت نظر أحدهم إليه ، إذ رآه واحد من المسؤولين ، أقترب منه كي يعرف ما مشكلته ! .

 

وعندها بدأ العم مقبل مسترسلا عن حنق زوجته " ريوم " ورفض شقيقها إعادتها إليه ، وأنَّها سببًا في مجيئة وتجشمه عناء الرحلة الطويلة إلى عاصمة البلاد .

 

وقبل أن يكمل حديثه قاطعه المسؤول قائلا : عذرًا يا مقبل ، لدينا هذه الأيام مشاغل وقضايا سياسية كبيرة تتعلق بالدولة ، أننا منهمكون في إرساء بنيان هذه الدولة ، ولعلَّك سمعت بأخبار التوحيد للقوى السياسية المختلفة في كيان سياسي وطني واحد ؟! .

 

وهنا شحذ الحاج مقبل لسانه ووجه كلماته الساخطة وبصوت مسموع: يلعن عاركم ، "هيه طالقة" أنَّكم ما تسووا بصلة ، ما قدرتم تعيدون "ريوم " ، عادكم ستفلحون ببناء الدولة ، توكأ عصاه ورحل غاضبًا وبلا عودة .

 

طبعا، علي عنتر ، رحمه الله ، علم بمجيء العم مقبل ، وبمغادرته عدن ساخطًا على الجميع ، فتدارك الأمر وأعطى المناضل علي مسعد حسن ، أطال الله بعمره ، بندقية نوع خشبي ، وأوصاه بتسليمها لإبن شقيق "ريوم" الذي كان شخصية معروفة في المنطقة .

كما وأعلمه بإرجاع عمته "ريوم" لزوجها "مقبل" في ذات الليلة قبل بكرة ، وإذا ما تعنَّت أو ماطل والده أخذوه إلى حبس دار الحيد بمدينة الضالع .

 

والعم مقبل مشكلته أنه اعتاد لفظة "هيه طالقة" ، فحين وقف ذات يوم أمام قاضي المحكمة ، الذي أفتى بعودة زوجته ، شريطة أن يقلع عن تكرار اللفظ خشية من عاقبتها ، فقال للقاضي الهتاري: "هيه مليون طالق إذا زدت نطقتها"..

حالنا اليوم مع أزمة الكهرباء يماثل حال الشخص مع زوجته والمسؤولين، الفارق أن في الرعيل الأول ، من يخجل ويهتم بقضايا النَّاس وأن كانت شخصية أو تافهة ولا تستوجب وصولها إلى رأس هرم الدولة ، لذلك أعادوا له زوجته .

بينما قادة الحاضر ، مجلس رئاسة ، وحكومة ، ومجلس إنتقالي ، وسلطة محلية ، وجميعهم مسنودين بدعم التحالف الخليجي والعربي ، ودول الرباعية الأوربية ، وماما أمريكا ، والأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ؛ ومع كل هذه المسميات عجزوا عن إعادة نور الكهرباء .

 

هؤلاء القادة الاشاوس لا يتوقف إعلامهم لحظة عن هدير عنتر وفق قولة الشاعر الصريمي في أغنية " نشوان " فمن فرط هذا الضجيج يخيل لنا أنهم يبارزون طواحين الهواء ، إذ أننا لم نلمس منهم فائدة ترجى .

 

الحقيقة المرَّة أنهم عجزوا عن معالجة أزمة الطاقة . البلاد غارقة بالظلام ، العباد بلا مرتبات ، والجوع والمجاعة تضرب الأعناق والبطون ، والقادة منشغلون في ترتيبات الأهل والأصدقاء والموالين ، فلا أحد لديه ذرة ضمير أو احساس بمعاناة الناس المستفحلة وبكل نواحي الحياة.

 

إنَّه لمن المخجل القول بأن القيادة العاجزة عن إعادة تيار الكهرباء إلى حياتنا كيف يمكنها معالجة أزمات الإقتصاد والعملة والمرتبات والخدمات العامة وسواها من القضايا الحيوية ؟! .

ومثلما أعلنها العم مقبل : " هيه طالقة " ما تبنوا دولة وأنتم ما قدرتم تعيدوا نور الكهرباء ..

 

محمد علي محسن