دولة الأجر اليومي والفشل المتكرر من سلطة هادي إلى العليمي

2024-11-14 16:31
دولة الأجر اليومي والفشل المتكرر من سلطة هادي إلى العليمي
شبوه برس - خـاص - عــدن

 

تعيش المناطق اليمنية المحررة أوضاعًا مأساوية وسط تزايد الأزمات المعيشية والاقتصادية التي تضع المواطن العادي في مواجهة يومية مع التحديات، فالتدهور السريع في قيمة العملة المحلية، والعجز المتواصل للحكومة عن توفير الخدمات الأساسية، يعكس واقعًا بائسًا يُظهر مجلس القيادة الرئاسي عاجزًا عن اتخاذ خطوات عملية لإنهاء معاناة المواطنين، بينما أصبحت البلاد وكأنها "دولة تُدار بالأجر اليومي"، تفتقر إلى خطط تنموية أو رؤية استراتيجية تتجاوز الحلول المؤقتة.

 

جذور الأزمة.. غياب رؤية الشرعية منذ عهد هادي

يمكن القول إن جذور الأزمة في اليمن تعود إلى العام 2015، حين اندلعت الحرب في اليمن وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات لدعم الشرعية ضد الحوثيين.

 

ورغم هذا الدعم، اتضح غياب الرؤية في إدارة الشرعية التي قادها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، ما انعكس في غياب التخطيط الاستراتيجي للتعامل مع الوضع السياسي والاقتصادي، وظهور معسكر الشرعية على أنه كيان متشرذم ومتباين بين أطياف سياسية متعددة لا يجمعها سوى العداء للحوثيين.

هذه الانقسامات كانت فقط بداية لأزمات أعقد، حيث استغلت جماعة الإخوان المسلمين الفراغ القيادي وضعف الإدارة داخل الشرعية، لتتمكن تدريجيًا من الهيمنة على القرار الحكومي، مما ساهم في زيادة الخلافات الداخلية وتفاقم حالة عدم الاستقرار.

 

سيطرة جماعة الإخوان على القرار وتداعياتها

في خضم هذا الفراغ، استغلت جماعة الإخوان المسلمين فرصة الانخراط في الشرعية، وسيطرت على القرارات الحساسة للدولة، ومع مرور الوقت، تمكنت من بسط نفوذها على مؤسسات الدولة، فكانت التعيينات في الحكومة والأجهزة العسكرية والأمنية تُدار وفق الولاء السياسي وليس على أساس الكفاءة، ما أدى إلى ضعف أداء المؤسسات وتفشي الفساد، إذ بدت الحكومة عاجزة عن توفير خدمات أساسية للمواطنين أو إعادة بناء البنية التحتية، بل غلبت التوجهات السياسية الضيقة على المصالح العامة.

 

بسبب هذه السياسات، استمر التدهور في كل مفاصل الدولة، حيث باتت الحكومة عاجزة عن إدارة المناطق المحررة بشكل فعّال. ونتيجةً لذلك، تفاقمت الأزمات وتراكمت دون حلول واضحة، مما أضاف مزيدًا من الضغط على المواطن اليمني الذي يبحث عن أبسط حقوقه المعيشية في ظل حكومة لم تستطع أن تقدم له ما يُحسن من واقعه اليومي.

 

مجلس القيادة الرئاسي.. استبدال الوجوه وتكرار الأخطاء

في أبريل 2022، تشكل مجلس القيادة الرئاسي بعد سنوات من سياسات إدارة هادي التي أوصلت الشرعية إلى حالة من الجمود، وبدلاً من تحقيق الاستقرار، جاء تشكيل المجلس بمثابة تبديل للوجوه دون تغييرات جوهرية في النهج المتبع؛ حيث اعتمد المجلس نفس السياسات السابقة، وعلى الرغم من مرور أكثر من سنتين على تشكيل المجلس، إلا أن أدائه لا يختلف كثيرًا عن أداء الشرعية في عهد هادي.

 

ويبدو المجلس الحالي غير قادر على تقديم أي حلول عملية؛ فغالبًا ما يقضي رئيسه وأعضاؤه فترات طويلة خارج البلاد، بعيدًا عن عدن وبقية المناطق المحررة، ويعمق هذا الغياب الفجوة بين القيادة والمواطنين، ويقلل من فاعلية التواصل معهم لمعرفة احتياجاتهم الملحة.

 

وكان آخر اجتماع للحكومة مؤخرًا قد خلص إلى تشكيل لجنة وزارية لإعداد خطة "إنقاذ اقتصادي"، إلا أن تأخر بدء عمل اللجنة، وتشكيلها فريقًا مساعدًا لإعداد الخطة، كشف عن ضعف الاستجابة الحكومية وغياب التخطيط المسبق فقد كان من المفترض أن تكون هناك خطة جاهزة لمواجهة التحديات الاقتصادية، خاصة أن الحكومة تعاني من تداعيات توقف تصدير النفط منذ نحو عامين.

 

الأزمات الاقتصادية وتحديات الحكومة في "دولة الأجر اليومي"

من أهم المشكلات التي يواجهها مجلس القيادة الرئاسي اليوم، هي التحديات الاقتصادية المتصاعدة نتيجة انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، ما أدى إلى ارتفاع تكلفة المعيشة بشكل كبير، بينما لا توجد أي مؤشرات على تحسن قريب في الوضع المالي للحكومة، فالحكومة، التي تعتمد على إيرادات ضئيلة، تجد نفسها غير قادرة على تحقيق أدنى درجات الاستقرار المالي، مما يجعلها تواجه صعوبة حقيقية في دفع رواتب الموظفين، وتوفير احتياجات الناس من الوقود والطاقة.

 

إلى جانب هذه التحديات، يعاني المجلس الرئاسي من مشكلات تنظيمية داخلية، حيث لم يتوصل أعضاؤه حتى الآن إلى توافق حول اللائحة المنظمة لعمل المجلس، ما يعكس حجم التباين والخلافات التي تعصف بالقيادة العليا للبلاد. هذا المشهد الفوضوي يزيد من صعوبة اتخاذ قرارات حاسمة في مواجهة الأزمات المتفاقمة.

 

حياة المواطن بين مطرقة الأزمات وسندان العجز الحكومي

في ظل عجز مجلس القيادة الرئاسي، يشعر المواطن اليمني في المناطق المحررة أنه يعيش في دولة تُدار بـ"الأجر اليومي"، حيث لا توجد استراتيجية واضحة للمستقبل، فعلى الرغم من كل ما يعانيه المواطن من غلاء أسعار وتردي الخدمات، تبدو الحكومة منشغلة بتسيير الأزمات ببطء، دون أي تخطيط بعيد المدى يخرج البلاد من حالة الركود ويضعها على مسار التنمية والاستقرار.

 

بينما يعيش المواطنون يومياتهم بصعوبة، يجدون أنفسهم في دوامة من التحديات المعيشية، تتجاوز طموحاتهم البسيطة في حياة كريمة، إلى سعي مضنٍ للبقاء، ويعكس هذا الوضع المحزن مدى تدهور الأداء الحكومي، ويزيد من الإحباط لدى المواطنين الذين كانوا يأملون في تحسين أحوالهم المعيشية بعد تشكيل المجلس.

 

مستقبل غامض وأمل بتغيير حقيقي

يبقى المستقبل في المناطق المحررة مرهونًا بقدرة الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي على إحداث تغيير حقيقي يتجاوز إدارة الأزمات اليومية إلى صياغة رؤية استراتيجية تعالج المشكلات من جذورها، فالآمال لا تزال معقودة على إيجاد حلول عملية توقف هذا التدهور المستمر، وتعمل على بناء دولة حديثة تضع مصلحة المواطن على رأس أولوياتها.

 

مع هذه التحديات، تتزايد التطلعات الشعبية إلى قيادة قادرة على تحقيق تطلعاتهم وتخفيف معاناتهم، ورغم الغموض الذي يحيط بمستقبل اليمن، يبقى الأمل في استعادة دولة فاعلة قادرة على تلبية تطلعات الشعب، وتجاوز حالة العجز المستمر.