*- شبوة برس - د حسني احمد علي المتعافي (*)
ليس من مقاصد الإسلام تعليم الناس كيف يتعايشون مع النظم الظالمة الجائرة، وإنما جاء الإسلام ليخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى ومن الظلم إلى العدل، ومن الاستبداد إلى الشورى في الأمر، وليقوم الناس بالقسط، وهو لم يجعل إمامة أو ولاية لظالم أو جائر أو فاجر أو طاغية وإنما ألزم الأمة بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ودعوتهم إلى الخير وأعطاها حق النصح لهم فإن لم يسمعوا وجب الانتصار منهم.
الشورى في الأمر هي أمرٌ قرءاني أثقل وزنًا بكثير من صيام رمضان.
سيقول السفهاء والمغفلون ونعال الشيطان: "ولماذا هذه المقارنة؟ ولماذا هذا الكلام الآن؟"
صيام رمضان هو عبادة غير ملزمة في أحيان كثيرة، ويجب الامتناع عنها في حالات عديدة، وهي تتعلق أساسًا بالفرد فقط، ولها مقاصدها التي يمكن تحقيقها بدونه.
أما الشورى في الأمر فهي أمر ملزم لكل كيان إنساني؛ للفرد، للأسرة، لكل أولي الأمر في أي أمر، ولا يمكن الاستغناء عنها، ولا بديل لها، ولا عذر في تركها.
ويجب برمجة الطفل منذ صغره على الأخذ بها، وبهذا ينشأ بشرًا سويًّا، وبهذا تصبح البيئة الإسلامية غير صالحة لاستنبات واستفحال الاستبداد والطغيان، فتقوى الأمة الإسلامية وتتعملق في البنيان.
أما قلب الموازين فسيترتب عليه ما هو ماثل أمامكم، أمة تتلهى بالصيام، وتربطه بكل ما تشاء من اللهو والمهازل، وتتخذ منه ذريعة للتنصل من العمل الجاد ومن إعداد المستطاع من القوة ومن تحصيل العلم..
.
وولي الأمر ملزم بإعمال آلية الشورى والالتزام بما أفضت إليه، وذلك أوجب بعد ختم النبوة، ورغم أن إعمال الشورى هو ركن فرعي إلا أنه يعادل ركن إقامة الصلاة مثلا، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} الشورى38، فجعل الشورى بين مجموعة من الأركان المعلومة والمشهورة لبيان مدى أهميتها ودرجة الإلزام فيها.
أما المستبد برأيه فمخالف لشريعة الله مغالٍ في أمر نفسه مستخف بقدر غيره، في نفسه عتو وكبر أصله ضعة، واعتزاز بالنفس يخفي عدم ثقة بإمكاناتها والخوف من تفوق غيره وتعالم يرتكن إلى جهل عريق، فالمستبد كافر بالمساواة والأخوة الإنسانية وينازع ربه سلطانه وسطوته، ولقد كان من شر ما ابتليت به تلك الأمة استشراء الاستبداد فيهم، ولقد ظل ما ترتب على ذلك ينخر في بنيانها إلى أن تهاوت وتسلط عليها أعداؤها.
*- باحث اسلامي القاهرة