في العام الماضي، كنت في العاصمة الأردنية عمان، ودرجات الحرارة كانت تحت الصفر بسبب منخفض جوي قوي. ما كنت حاس بهطول المطر لأني كنت وقتها داخل إحدى دور السينما أشاهد فيلمًا لمحمد هنيدي. بعد انتهاء الفيلم، حاولت مغادرة مول العبدلي، لكن اكتشفت أن الحركة متوقفة بسبب الطقس السيئ. نزلت لبوابة المول وشاهدت شخصًا واقفًا أمامي. سلمت عليه وسألته: "كيف الواحد ممكن يروح للفندق الآن؟" كنت مفكر إنه أردني ويشتغل في المول.
لكنه رد علي بلكنة عراقية محببة: "آني عراقي مو أردني، وتراني عالق مثلك". واتضح إنه نازل بنفس الفندق اللي أنا نازل فيه.
وأنا أحاول أطلب "أوبر"، اكتشفت أنه يبعد عنا حوالي 18 كيلو متر، ولكن صاحب المول تدخل وأخذنا بسيارته إلى الفندق. وصلنا وهناك توجهنا للكافيه. لقيت زميلي أرسلان السليماني جالس في بهو الفندق، فطلبت قهوة وجلست بجواره. العراقي جاء وجلس معنا، وبدأنا نسولف عن أوضاع البلاد العربية.
بفضول سألته: "إيش هي مشكلة العراق اليوم؟"
رد علي: "تقصد بعد الاحتلال؟"
قلت: "نعم، بعد الاحتلال الأمريكي والإيراني."
قال: "أحكي لك قصة تلخص لك كل شيء."
"زمان في الموصل، كان عندنا شيخ قبيلة اسمه الشيخ جاسم. كان معروف بثروته الهائلة، بس ما حد يعرفه تمامًا أو يتكلم عنه. عاش حياته بعيد عن الأضواء، معتمد على ثروته اللي جمعها من تجارة قديمة، وما كان عنده طموحات سياسية ولا حب للشهرة.
وفي نفس الوقت، كان هناك شخص اسمه سجاد، يدرس العلاقات الدولية والدبلوماسية في الخارج. كان موعود أنه يصير سفيرا للعراق، لكن مع الأسف ما قدر يكمل دراسته بعد الغزو الأمريكي. رجع سجاد للعراق واكتشف أن كل أحلامه صارت سراب. فقرر يستثمر فشله بطريقة ثانية. سمع عن الشيخ جاسم وشاف فيه فرصة ذهبية. فكر وقال: ليش ما أخلي الشيخ جاسم رمز بين العشائر والجماعات العراقية؟
راح سجاد للشيخ وعرض عليه خطته: يا شيخ، أنت ثري ومحترم، بس الناس ما يعرفوك زين. عندي فكرة نخليك مرجعية عشائرية كبيرة. هذا المشروع يحتاج 20 ألف دولار شهريًا، وبهاي العملة اللي دخلت علينا مع الاحتلال.
على الرغم من تردد الشيخ بالبداية، وافق ودفع لسجاد المبلغ. سجاد بدأ يكتب مقالات عن الشيخ، ينشر صور ويألف قصص بطولية وخيرية عنه. الناس بدأت تصدق وصار الشيخ جاسم معروف، لكن الحقيقة أن كل شيء كان وهم.
بعد أربع سنوات، اكتشف العراقيون الحقيقة. جاسم اللي كانوا يحكون عنه كان مجرد خيال، والقصص اللي سجاد نشرها كانت فبركة. الصور اللي انتشرت كانت لشيخ آخر بالعراق بنفس الاسم، وكان هذا الشيخ الثاني فعلاً يستثمر أمواله بالخارج قبل الغزو.
سجاد أخذ الفلوس واختفى. راح لأوروبا وما ترك خلفه إلا شيخ جاسم اللي صار، بدل ما يكون شخصية واقعية، مجرد أسطورة. الشيخ خسر جزء من ثروته، وبقى مثل ما كان، غير معروف ولا مؤثر، بس أسطورة من نسج خيال سجاد اللي رجع لأوروبا بجيبه مليان فلوس."
#صالح_أبوعوذل