عندما تصبح الحرب تجارة تسترخص هامات الرجال

2024-09-06 02:57

 

إن الأحداث والحروب بكل ما انطوت عليه من كوارث ومعاناة وانتهاك للعادات والتقاليد والاعراف هو إذلال للشعب في الجنوب وللدولة. فالصورة واضحة معالمها وجلية، وهي صورة المشروع الذي يراد للجنوب ان يكون خاضعا وتابعا لجهات معينة لتفرض السيطرة والهيمنة على مكامن الطاقة والثروة الطبيعية المتعددة وللمنافذ الإستراتيجية الهامة وخاصة البحرية منها التي يتميز بها جنوب الجزيرة العربية.. إلا أن الحرب على الجنوب قد تطورت الى ما هو اوسع وأخطر حين تحولت الى حرب نفسية لخداع الرأي العام لشعب الجنوب مؤداه ان استعادة الدولة سوف يؤدي الى حروب داخلية طاحنة وعودة للنظام الشيوعي من جديد مما يجعل المسار الدولي غير آمن وغير مستقر وعليه عملت تلك القوى الاستعمارية على خلق مكون موال لايران، ظاهره غير باطنه يعمل على عدم الاستقرار في المنطقة والاقليم يمد له بالامدادات العسكرية وغير العسكرية لتمهيد ما هو مقبل من تغييرات على المنطقة الجنوبية تمس عقيدته ومذهبه السني، فكان من الضروري إزاحة الستار في خطوات محسوبة بالتلاعب بالعملة المحلية وجعلها فاقدة للقيمة وغير قادرة على مجابهة العملات الاجنبية مؤثرة بذلك على السوق تأثيرا مباشرا على الحياة المعيشية وللشارع لنزع الثقة بين المواطنين ومرؤسيه مما سهل على انشاء مكونات ذات انتماءات سياسية تخدم قوى الاحتلال باختلاق عدم الاستقرار ،

 

ربما لم يدرك البعض منا أبعاد الرؤية، فالبعد الديني ظل يطفو على السطح في هذه الحرب ضد الجنوب الشافعي ذو المذهب الواحد.. وفيما يزداد الخلاف يزداد الحصار السياسي والاقتصادي والفكري، ويجد الشعب نفسه أشبه بالفريسة التي اصيبت بالشلل والجمود امام وحش يتقدم حثيثا لإلتهامها.. وهكذا هي الحرب حين تصبح أكثر الاعمال ربحا، علينا ان نتوقع المزيد منها. فقد عاش الناس الانتغاص والحرمان من أبسط مقومات الحياة من انقطاع للكهرباء والماء والجرعات برفع الاسعار للمحروقات لأوقات غير متباعدة، تتبعها زيادة في اسعار السلع على جميع أصنافها وتنشط السوق السوداء وخاصة لمادتي البترول والديزل مستغلين الحاجة بصورة بشعة.. هؤلاء تجار الوطواط هم مجرمون بحق القانون باختلاق الازمات لاجل إستغلال الظروف، كان يجب القبض عليهم ومحاكمتهم ومصادرة مامعهم من بترول وديزل.

 

هكذا هي الحروب عندما تصبح الحرب تجارة يكثر الفساد ورواده، والمخدرات ومتعاطيه، وتفشي الجرائم ويقتل الإبن امه وأبيه، والاخ لاخيه وكم حذرنا من مغبة التهاون بالقوانين والتجاوز عليه ولكن للاسف لا ينظر الى تحذيرات الاصغر حجما بالهيكلة.. لانهم لا يدركون انه ليس بالضرورة الاصغر حجما الاقل تأثيرا وقيمة، كما انه ليس بالضرورة ان يكون الاكبر حجما هو الاكثر تأثيرا.. هكذا هو الفعل وقانونه مستنده قيمه وفعاليه ما يقال، لا حجم وضخامة القائل، اذ ان ميزانه الحق من قدرته على المعالجات، اما طنين الاصوات وترجيعها، ومكبرات الصوت، وكمية الاموال المدفوعة فليست ذات حساب، فما ذلك الا فضول قول وعبث، واحتطاب بليل وسواء رن الريال او سقطت بلا رنين.

 

هكذا هي الحروب عندما تصبح الحرب تجارة، تكثر فيها النقاط وتتزاحم في مواضعها ولكنها تغيب عن الحروف وتصبح الكلمات غير مفهومة فيسترخص فيه الشرفاء من الرجال وتحوم حولهم المؤامرات والاشاعات والتهم الرخيصة.

 

إن الاوضاع مهينة.. لم نجد الدواء للداء، لان الداء مفتعل وقاتل فالمخدرات داء مستورد ولم يجد له الدواء وكذا للمحروقات التي اصبحت ورما مزمنا على الكهرباء وسرطانا على الحياة المعيشية والتعليمية والصحية والخدماتية الأخرى، كما أن شد الرحال الى الجنوب بإسم النازحين يشكل كارثة بحد ذاته على البنية التحتية المنهارة منذ حرب 1994 وزادت في حرب 2015 مما سببت ضغطا وحملا كبيرا على الحياة المعيشية وأخذت منحى سياسيا يهدد الشعب الجنوبي وضغطا على حضرموت وعدن والمهرة بالذات افقدته توازنه من الناحية الامنية ولبنيته التحتية مما سبب له الكثير من المشاكل التي لم تجد لها معالجات ولا بصيص أمل في ذلك فخلقت فيها الاحتقانات، تحملتها الناس في كل ردة فعل سواء من غلق للطرقات التي اوقفت المصالح مما زاد من معاناته وما تسببه من زيادة الاسعار في ظل عدم الامكانيات التي يعيشها من ذوي الدخل المحدود جدا ناهيك عن تعطل للمدارس وارتفاع للرسوم والمتطلبات وتأثير ذلك على الصحة فزادت من امراضه وارتفاع الجرائم والادمان والفساد شملت جميع نواحي الحياة في ظل غياب الدولة فأصبح المواطن فاقد للطريق والسلام والأمان.. مرتبكا في حياته وهو ينظر بأم عينيه انه يسلب في كل دقيقة وثانية لم يتوقف في معيشته وانما طال عرضه ودينه وفيمن يحكمه ومن يسيره، يبحث عن حلول ولا يواجه إلا المزيد من الورش لعرض الخطط الإستراتيجية والتي اتضحت انها استعراضات تخبطية لانها قائمة على العشوائية والتناقض المبين في اصلها وتكوينها ومصدرها واساسها التي أرتهنت الى غير أهلها وبالتالي ظلت مسارها وضلت معظم الناس فأنغمست بالظلام ولا تدري الى اي جهة تتجه وهي ترى شبح الاطماع تلاحقه، فلم تكن الديار ديار كما قبل ولم تكن الوجوه تلك الوجوه فقد تبدلت الاحوال الى الأسوأ.. صدرت الاحكام فيه بالأعدام وكان من الانصاف أن يصدر الحكم على المادة السابعة الدخيلة من محكمة الاستئناف ولو بجلسة عابرة لانصاف أمة لا يد لها بها من قريب أو بعيد.. فأين الجاني وأين المجني عليه؟ واين المحامي؟ واين المرافع؟ فإلى متى تصدر الاحكام في الضعيف بلا محكمة؟ أما آن لها ان تتوقف؟ هكذا يكون المستقبل اذن ياوطني المسلوب حين تصبح الحرب تجارة من أكثر الاعمال ربحا، يكتوي فيها البرئ بنارها ويبرأ المجرم الجاني ويحظى بالمقام وتكتم الاخبار ويعتم الاعلام.

 

لك الله يا وطني الجنوب حين تبكي لاجلك الرجال وتسترخص الشعوب والأوطان.