(ثلاثة أسئلة تُمَيِّزُني من الغيظ)
*- السؤال الأول: لماذا لا تسأل "العلماء" قبل أن تَعرِض أفكارك الشاذة على العوامّ؟!
= الجواب: لا كهنوت في الإسلام؛ فالدين شأنٌ عام، وكلُّ مَن عَلِمَ من الدين شيئًا فهو به عالِم، ومن حقه التحدُّث به، ثم يتفاضل الناس صعودًا في مدراج العلم والتفقُّه فيه.
وليس صحيحًا ما يُرَدِّدُه العامَّة مِن قولهم: "مَن كان مُعَلِّمُهُ كتابَه، فاق خَطَؤُهُ صوابَه"؛ فالواقع يكذب ذلك.
فكم من إنسانٍ ألمعيٍّ ذي ذهنٍ وَقَّادٍ قرأ وفهم واستوعب ونقَدَ وألَّف، وليس أقربهم للذكراة (عباس محمود العقاد)، حامل الشهادة الابتدائية الذي أثرى المكتبة الإسلامية والعربية بأكثر من مئة مؤلَّف، وهو لم يَثْنِ ركبتيه ولم يَحنِ قامتَه عند شيخٍ أو عالِم.
ذلك أن ثَنْيَ الرُّكَب عند الشيوخ، لن يؤدي إلا إلى إعادة إنتاج نسخ مكررة من أناس ماتوا قبل مئات السنين، وهذا تجميد مروِّع للدين؛ إذ إنه بمثابة تحنيطٍ له في متحف يتحلق حوله المؤدلجون ومعهم سيوف من التبديع والتفسيق والتكفير، مخوِّفين كل من تسول له نفسه أن يقترف جريمة التفكير فضلًا عن النقد.
وليس الدين تخصُّصًا مثل الطب والهندسة والطيران؛ فلو أن أحدًا قرأ في الطب وأكثَرَ مِن ذلك، لم يكن من حقه أن يَجُسَّ عليلًا. ولو أن أحدًا تَثَقَّف في الهندسة ما كان له أن يبني غرفة واحدة بَلْهَ منزلًا. ومَن عَشِق الطيران وأكثَرَ مِن الاطلاع على كل ما يَمُتُّ له بِصِلَة، فليس من حقه أن يدير محرك طائرة فضلًا عن أن يقودها وهي تحمل مئات الأنفُس.
*- السؤال الثاني: لماذا لا تتوقف عن الحديث في الدين، وتبحث لك عن هوايةٍ أخرى؟!
= الجواب: ليس من حقك أن تُمْلِي عَلِيَّ ما أكتب وما أدَع، وأنا لا أقدس شيئًا - بعد مقدَّسات الدين - إلا حرية القلم؛ فهو الهواء الذي يتنفسه الأحرار، أما أنت وأمثالك من التابعين الإمَّعات بل العبيد، فلو أمطرت السماء حريةً لرفعتم المظلات.
*- السؤال الثالث: مَن أنت حتى تقول كذا وكذا؟!
= الجواب: سأَرُدُّ على السؤال بسؤال: هل ستتغير نظرتك إلى ما أكتب إذا علمتَ مَن أنا؟! هل تحكم على الحق بالرجال أم تحكم على الرجال بالحق؟!
وإذن فأنت لا عقلَ لك، ولا تستطيع فهمَ ما يُقال؛ بدليل أن المقياس عندك ليس القولَ أو الفكرة، بل شخص القائل. فمتى ما كان معروفًا لديك، أو مشهورًا لدى الناس بأنه ذو علم؛ فأنت تتبعه مغمض العين كما يتبع القطيعُ قائدَه.
ولا بُدَّ هنا من استحضار قول الأمريكية إلينور روزفلت: "العقول العظيمة تناقش الأفكار، والعقول الضعيفة تناقش الأشخاص".
وإنَّ كائناتٍ مثلَك، لَهِيَ عالَةٌ على البشر، وهي تدبُّ فوق الأرض كالزواحف البليدة تُثقِلُها دون فائدة. فأنت وفصيلتك بين الناس زعانف وحراشف فائضة عن الحاجة، ولو خَلَت الأرض منكم بحاصِبٍ يحصبكم أو حاصدٍ يحصدكم؛ لكان ذلك اليومُ يومَ عيد للأرض وأهلها.