(عدن للعدنيين)

ما اسعدني بكم واتمنى اسعادكم.. سأتناول هنا موضوعاً تاريخياً عن عدن، ولن اتقعر في السرد او اتعالم او ازعم الاكاديمية.. انا احكي ما عرفته لحسن طالعي من كتابات كثيرة كتبها بريطانيون عن حياتهم في عدن.. وكان من حظي قراءة اكثرها وبلغتها الاصلية.. ستنداول في الامر كما عودتكم وكأننا نتحازى ونتجاذب احاديث تجري على موائد العشاء... هل تصدقون ان مستعمرة عدن الصغيرة هذه قد اعيت البريطانيون اكثر من اي مكان اخر حكمته في نصف الكرة الارضية؟؟ نعم قد حدث هذا.. لم يكن دخول البريطانيون الى عدن صعباً.. ابداً.. لكن خروجها كان هو الاصعب. !!

جلس توم هيكنبوثام والي عدن وحاكمها ومن بين افضل حكامها لمنجزات كثيرة حققها لاول مرة منذ الاحتلال.. جلس الئ السير محمد عبدالقادر مكاوي وهو اول -- وآخر -- عدني يمنح وسام الفروسية بلقب سير.. وقال له: يامايك، هناك احاديث تتردد عند بعض الناس عن رغبتهم في نيل الاستقلال عن بريطانيا.. فماذا ترى؟ اجابه السير مكاوي بعد تفكير قليل : ياتوم هؤلاء الناس لايعون ما يرددون.. كأن الاستقلال لعبة تجري بين يوم وليلة دون نظر الى التبعات والعواقب.. واظنهم يزجون اوقات فراغهم وحسب. 

كانت صداقة حميمة قد جمعت بين الرجلين، وفي نهاية الاسبوع يعزم المكاوي هيكنبوثام على غدوة عدنية صميمة في بيته الصيفي ببساتين الشيخ عثمان، فالمكاوي مثل رجال اعمال ذلك الزمان يمتلك بيتاً اضافياً فوق بيته الاصلي بكريتر حيث يزاول تجارته... نطقة آخر السطر. 

بعد نهاية الحرب الثانية وبالذات في سنوات الخمسينيات كان امر استقلال عدن يساور ذهنها ويشغل بالها.. بدأت في هذا الاتجاه تتشاور مع كبارات عدن لطريقة توصل"ولاية عدن" نوعاً من الاستقلال الذاتي.. وقطع الحوار مسارات ايجابية باقامة نظام حكم وطني سلمي بالاعتماد على دعم بريطاني ملموس.. لكن الرف رافس (Riffraffs) ومعنى الكلمة الدهماء او الرعاع او حتى سفلة القوم ان شئتم، واحفظوا الكلمة فقد تحتاجونها ناس زمننا هذا.. اقول لكنهم قطعوا طريق تفاهمات العقل وحوارات المنطق، واختاروا سبل الفوضى المؤدية حتماً للخراب.. خرجوا في مظاهرات صاخبة في زحف نحو مبنى المجلس التشريعي وهم يهتفون: بابيومي ياحمار.. ياعميل الاستعمار. !!

كان دولة رئيس وزراء عدن حسن علي بيومي قد انتخب رئيساً لوزراء عدن لاول مرة في تاريخها. !!

واجهضت للمرة الاولى خطوات السير السلمي نحو الاستقلال.. وبعدها بدأت اعمال اللعب بالنار.. اي ماسمي بالكفاح المسلح.. واسقط شعار عدن للعدنيين.. وحتى ندوة الموسيقى العدنية انطوت مع عميدها الاستاذ خليل محمد خليل في طي الكتمان. !! مرة اخرى.. نقطة آخر السطر. 

طوال تاريخها كانت عدن آمن بلاد الله على وجه الارض.. ولم تسمع فيها طلقة رصاص واحدة.. وكان البوليس فيها يحملون عصي قصيرة سوداء وبلا سلاح. !!

عام 1963م كانت عدن على موعد مع تفجير قنبلة للمرة الاولى، كان صاحبها هو العدني الجليل خليفة عبداللة حسن خليفة كبير آل خليفة، وهم بالمناسبة من اصهاري الكرام.. كان خليفة يعمل بمطار عدن، وكلف بالقاء القنبلة التي عرفت في تاريخ عدن بقنبلة المطار.. كان المستهدف هو السير كينيدي تريفاسكس، مندوب عدن البريطاني السامي .. لكن نائبه حالما رأى القنبلة اندفع والقى بنفسه بشجاعة فوق جسم المندوب السامي ليدفعه بعيداً..لكن القنبلة قتلت النائب.. واثنين من الحاضرين واصابت 50 اخرين.. وذاقت عدن طعم الدم الاول. !! 

اعتقل الخليفة واشارت التحريات الى ان الاستاذ عبدالله عبدالمجيد الاصنج هو الذي كلفه بالمهمة وامضى الخليفة قرابة شهر قيد الاعتقال الى ان عقد البرلمان"المجلس التشريعي " اجتماعاً صاخباً طالب فيه بالافراج عن الخليفة ومنحه الحصانة وانتخبه عضواً في المجلس التشريعي.. وبالفعل تم اسقاط القضية والعفو عن الخليفة والحاقه بعضوية المجلس التشريعي. !! وكان ذلك التصرف اعظم ما يحسب لديمقراطية البريطانيين في عدن. !!

كان الاستاذ عبدالله الاصنج من اكبر السياسيين في تاريخ عدن كله.. شكل حزباً سياسياً ترأسه.. وتولى قيادة نقابات العمال التي اثرت كثيراً على اقتصاديات المستعمرة واعيتها..!!   بعد ذلك الدم الاول الذي سفكته قنبلة المطار سالت انهار الدم حين شكلت حركات التحرر الوطني المتعددة كسبيل لنيل الاستقلال بقوة السلاح.. لكن تلك قصة محزنة اخرى.. تجمد تماماً البحث عن وسيلة سلمية بالحوار لمنح الاستقلال لعدن ومستعمراتها  ،وافسح المجال لصوت الرصاص واعمال العنف.. نقطة آخر السطر.. 

لكن ماذا عن شعار عدن للعدنيين؟؟ هل مازال قائماً ام انه قد سقط بالتقادم.. وانا ولدت في عدن لكن شكوكاً تساورني في معرفة هويتي: فهل انا حقا عدني