في البداية كانت أزمتهم عبارة عن تناول قضية #غزة على أنها أيديولوجيا إسلام سياسي، وانتصار المقاومة فيها هو انتصار للإسلام السياسي، وبالتالي فالوضع يُحتم عليهم نُصرة إسرائيل بمبدأ (عدوّ عدوّي صديقي)
** ** **
لكنهم لم يُجاهرون بدعم إسرائيل علانية – البعض منهم فعل ذلك – فاختاروا (النقد الآمن) وهو الهجوم المستمر على المقاومة بدعوى التنوير، وكنت أحذر حينها أن هذا المنطق خطأ من عدة نواحي:
** ** **
الأولى: أنه خلط ما بين الأيديولوجي والقيمي، ففلسطين بالأساس قضية إنسانية أخلاقية تتجاوز الأيديولوجيات والمعتقدات، وأكثر مناصريها في العالم ليسوا عرب وليسوا مسلمين، وجزء كبير منهم لاديني يقدم نفسه على إنه ابن للحضارة الغربية..
** ** **
إنه نفس الخلط الذي وقع فيه الإخواني حين (قال بأن الدين والسياسة واحد) هنا الصهيوني العربي قال (بأن فلسطين والإسلام السياسي واحد) فجرى تعميم دولة الشريعة على 9 مليون فلسطيني بمن فيهم المسيحيين والعلمانيين والقوميين واللاجئين بالخارج الذين يتبنون أفكارا حداثية..
** ** **
الناحية الثانية: من تظنه صديقا – إسرائيل – هو ليس كذلك بل عدوّ لك أيضا حيث يتبنى أفكارا عدوانية دينية تتصادم مع منهجك الداعي لفك الارتباط بين الدين والدولة، والغريب أن نتنياهو وجالانت وبن غفير ..وغيرهم يصرحون بأفكارهم الدينية علنا ويحرضون على الحرب من منطلق عقائدي وهذا حتى اليوم لم يلفت نظر الصهاينة العرب أو يتحدثوا عنه ، ودائما يتحاشون ذكره في معرض دفاعهم عن دولة الاحتلال..
** ** **
الثالثة: أن عقلية الصهاينة واضح أنها تريد بث الرعب في قلوب سكان غزة، ومنطقهم أننا سوف نجبر الغزيين على الانقلاب على حماس من خلال "القصف" وأننا سوف نعاقب هؤلاء السكان كلما تأخروا عن الإطاحة بحماس، وهذه السياسة هي التي أوصلت غزة لما عليه الآن من دمار واسع واستشهاد 20 ألف فلسطيني نصفهم أطفال..
** ** **
الصهيوني العربي سوف يتحمل عبء هذه الجرائم، ويفقد مصداقيته وقلمه حتى تجري معايرته بها، وسوف تظل هذه المذبحة نقطة سوداء في تاريخه يصعب الفكاك منها، وكنت قد طلبت من أحدهم أن يتأنى في دعم إسرائيل بهذا الشكل كي لا يتحمل التنوير الذي يرفعه كشعار أخطاء وحماقات نتنياهو..
** ** **
الرابعة: أن هذه حرب طويلة، وقد كان رهان الصهيوني العربي أن تكون الحرب قصيرة خاطفة تنجح فيها إسرائيل في القضاء على المقاومة سريعا وبأقل الخسائر، لكنني حذرت أحدهم وقلت: أن هذه المعركة طويلة وقد تكون مفصلية..وكلما طالت كلما عظمت النتائج واستفحلت الكوارث وتحولت القضية شيئا فشيئا (لمأساة)
** ** **
حينها سيذكرك الناس والتاريخ كما نذكر حاليا "هتلر والحزب النازي" وكل داعم لإسرائيل من خلال الهجوم على المقاومة سوف يتحمل عبء جرائمها التي من الواضح أن قادة الصهيونية لا يُبالون بحجم الضحايا أو نوعيتهم، وسياستهم في القصف لا تهدف للتقليل من الأضرار بل توسيعها قدر الإمكان..
الخامسة: يتعين عليك وأنت ترفع شعار التنوير أن تدرس تاريخ فلسطين وكيف نشأ الاحتلال وتعاظم بهذا الشكل، ويتعين عليك أيضا استعراض تاريخ أي احتلال وطريقته وسلوكه في التعامل، ويتعين عليها استعراض تاريخ المذابح البشرية كيف حدثت وكيف جرى تناولها وحمايتها وتبريرها ودعمها..وفي تلك الجزئية أستطيع القول أن أغلب من عرفتهم من صهاينة العرب (أميين) وجهلة لم يفتحوا كتابا واحدا ولم يقرأوا مقالا واحدا في هذا الشأن.
** ** **
السادسة: يتعين عليك أيضا دراسة العلاقة بين إسرائيل والغرب بشكل عام وبين إسرائيل والولايات المتحدة بشكل خاص، من نواحي (الدين والأيديولوجيا والسياسة) وكذلك تاريخ المفاوضات السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والمعارك المسلحة بينهم منذ عشرينات القرن العشرين حتى يوم 7 أكتوبر، وفي تلك الجزئية أيضا يمكن القول أن صهاينة العرب "أميين" وجهلة لا خبرة لهم أو دراية بملف القضية..
** ** **
هم مدفوعون بحشد عاطفي أيديولوجي تم التسويق له في بداية الحرب على أنها معركة بين "الحضارة والظلامية" أو بين "العلمانية والإسلام السياسي" أو بين "الحريات والقمع الديني" وهي الدعايا الصهيونية التي أشاعها نتنياهو لتبرير انتقامه ومجازره..لكنها رفضت في الداخل الأمريكي وواجهها الأوربيون بسخرية واستنكار..
تخيل أن شعوب الغرب أنكرت هذه الدعاية الصهيونية في عقد تلك المقارنات، لكن الصهيوني العربي وقع أسيرا لها دون أن يدري أو حتى يدرك معنى رفض الغرب ونخبته لتلك الدعاية وأنها قامت على أساس كاذب ..
** ** **
مهم جدا الاستقلال الفكري فهو الذي يحمي الإنسان من التبعية بهذا الشكل الأعمى، والمستقل أكثر قوة وقدرة في الرد والإقناع والمحاورة، ولديه قدرة أيضا على سد الثغرات وجواب الاعتراضات المشكَلة، لكن الصهيوني العربي بسؤال واحد أو حقيقة واحدة تنسفه، وتُظهره على حقيقته كمتعصب أعمى لا يملك حلول عملية أو أفكار علمية تمكنه من الصمود