المشكلة في الإنترنت أنه سلاح ذو حدين، إما انفتاح وزخم معلوماتي يقضي على الجهل والأمية الفكرية، وإما أداة ووسيلة فعالة للغاية لنشر الآراء المتطرفة..
والحد الثاني المتطرف هو الأشهر والأكثر تغوّلا
لماذا؟
تعتمد خوارزميات الإنترنت والسوشيال ميديا على تسويق (رأي واحد) له جمهور وشعبية فقط لأجل (الربح) سواء ربح مادي عبارة عن أموال ومنح، أو ربح اجتماعي بتضخم الصفحات وحصولها على اهتمام الملايين ، لذلك تجد أكبر الصفحات (الأيديولوجية) التي تمتلك رأي سياسي أو ديني أو فكري تتسم (بالتطرف) في الرأي ولا تحترم وجهة النظر الأخرى..
أكبر قنوات اليوتيوب هي قنوات (السلفيين والملحدين) أكبر صفحاتهم على السوشيال ميديا هي (للسلفيين والملحدين)
الاثنان يمثلان الرأي ونقيضه، الشخص وعدوّه.
لا مجال للحياد، ولو اخترت أن تظهر بصورة ناقدة للاثنين ستحصل على غضبهم جميعا، ولو اخترت صورة متسامحة وسطية بينهم تدعو حتى للتقارب ستحصل أيضا على غضبهم جميعا، وكل طرف يحسبك ضمن فريق وجيوش الطرف الآخر..
القصة لم تبدأ هكذا..
بدأت القصة بشخص عادي يبحث عن الحقيقة في الإنترنت، وعندما وجد أن رأيا معينا أو مادة معينة حصلت على شعبية وتفاعل إيجابي، ونظرا لمردود هذه المادة الجيد عليه من حيث الأموال والربح والمكانة الاجتماعية، يشرع فورا بالتركيز عليها وعدم مغادرتها، ومع الوقت يتبنى وجهات نظر متطرفة لمزيد من الإعجابات واللايكات والمشاهدات، وكلما كان أكثر حدة وتنمرا على الآخر..كلما يُرضي جمهوره المتعطش للانتصار ولو كان زائفا...
إنهم يكتبون ويخطبون فقط (لإرضاء الجمهور) وليس كما بدأوا مجرد باحثين عن الحقيقة، فالوضع قد اختلف الآن ولم تعد للدقة أهمية، فلو أصبحت دقيقا أو منصفا للرأي الآخر ستلقى هجوما تفقد على إثره مكتسبات الفترة الماضية، ثم تشرع الصفحة باستقبال تعليقات سلبية وتهديدات مختلفة أدناها إلغاء المتابعة وأشدها الإيذاء البدني، خصوصا لو كانت هذه الصفحة المتطرفة يملكها شخص فقير أو متدني اجتماعيا، حينها سيحارب الجميع بأسلوب انتحاري كي لا يخسر ويعود لمكانته الوضيعة في السابق..
المشكلة في غياب الثقة بالنفس وانعدام الشعور بالانتصار..
المنطقة العربية تعاني من مرارة الشعور بالهزيمة منذ قرون، ومثل هذه التصرفات هي التي تُرضي الجماهير وتُشعرهم بمكانتهم ووجودهم في الحياة، لذلك عليك بتفهم لماذا يغضب الآخرون من رأيك ويشرع الأكثرية منهم بالهجوم عليك وصب جام غضبهم إذا خالفتهم حتى ولو في شئ بسيط، لأن ما تراه بسيطا من وجهة نظرك هو لديهم (قضية حياة ووجود) ..
هذا تفسير موجز وبسيط لكيفية انتشار التطرف في الإنترنت
للقصة بُعد اجتماعي متعلق بمشاكل الطبقات، وبُعد سيكولوجي متعلق بالحافز المغري للهجوم على الآخر في إشعاره بالوجود والقيمة ، إضافة لبُعد مادي آخر متعلق بأرباح هذا الهجوم، فيختار الشخص المتطرف أن يصبح مكانه متنفسا لرأي واحد وأعمال مبتذلة كالشتم والإهانة والتكفير والتهديد ..وخلافه، حتى يمكن للقارئ البسيط – لا الكاتب الذكي – أن يتنبأ برد فعل هذا المتطرف ورأيه في كل حدث أو رأي عام بمنتهى السهولة..
وتلك من علامات الجهل المتفشي والمصاحبة لانتشار التطرف بشكل عام، فعندما يصبح بمقدورك التنبؤ بردود فعل أي شخص فاعلم فورا أن ذلك الشخص يعاني على مستوى الفكر وليس مستقلا بما يكفي لتحكيم ضميره ولو في أبسط قضايا الأخلاق والعقل..
#خمسة_اجتماع