الوطن بين العام والعائم عليه
وقفني جواب الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو عندما سئل ماهو الوطن؟ فأجاب:(الوطن هو المكان الذي لا يبلغ فيه مواطن من الثراء ما يجعله قادرا على شراء مواطن اخر، ولا يبلغ فيه مواطن من الفقر ما يجعله مضطرا أن يبيع نفسه وكرامته.
الوطن هو رغيف الخبز والسقف والشعور بالانتماء، الدفء والاحساس بالكرامة.
ليس الوطن أرضا فقط، ولكنه الارض والحق معا. فإن كانت الارض معهم فليكن الحق معك.
الوطن هو من حيث يكون المرء في خير وطمأنينة وسلام.)
هذا التعريف للوطن من قبل جان جاك روسو يجعل المرء يتأمل بتمعن دقيق حول ما يجري من احداث فيها من التناقضات والمفارقات الكثيرة، ولعل الناشر الاستاذ القدير علي عبدالله صالح بن قنعان كان له تأمل ووقفة في جواب روسو الذي يدعو الى الاعجاب وإلا مانشره في صفحته بالفيسبوك.
من الجنوب العربي ( الوطن) فيه كثير من الوجوه سقطت وبانت وجوههم الحقيقية وصدق من قال (العرق دساس)، من هؤلاء خرج الوطن مهزوما بآلاف من الضحايا وتدمير بنيته التحتية في ظل فراغ دستوري وفساد هائل وبأعداد رهيبة فرضوا رقابتهم على الموانئ وخاصة النفطية منها وأستولوا على شبكات الاتصالات وجعلوها خاصة بهم وكذلك للقنوات الاعلامية حتى يظل الوضع متفجرا واخذوا في التصرف كدولة داخل دولة. في ظل هذا التزاحم لم نجد حلولا وانما المزيد من الفقر على اختلاف توجعاته وآلامه، ومزيد من التجويع على درجة معاييره وقساوته المميتة وما وصل إليه الحال في مدن وقرى الجنوب العربي من توقف وتأخير لعجلة التنمية الخدماتية من كهرباء وماء وتحسين للحالة المعيشية، فلم يرى الوطن منذ اعلان الوحدة اليمنية في 22/مايو /1990م من تحسين للجانب الاقتصادي والتنموي.. فكانت الوحدة هلاكا ووبالا بكل ما تعنيه الكلمة، تعرى الوطن تماما من مفاهيمه فلم يعد بالوطن أمان.
فهل وجدت الوطن كالذي قاله جان جاك روسو؟ أم أنك تتمنى الهجرة منه وتكون بذلك اكثر حظا من غيرك؟ هل انت سعيد أم انك في كدر دائم؟ ماالذي جعل الوطن في غير تعريفه؟ ماالذي جعلنا نعيش المجهول ونتعايشه؟ نثرثر كثيرا ونتناقله ونتباها به؟ لماذا نعيش التناقض والتمزق؟ هل هو الجهل بالشئ أو لعوامل خارج إرادتنا أم لتأثيرات خارجية؟ فحاول ان تعطي جوابا لنفسك وتمعن فيه بعيدا عن المؤثرات لكي تكون مستقلا وعش مع عقلك قبل فكرك لتحلل اجاباتك بشكل علمي للوصول الى مايجب عمله بقناعتك وما تراه أنت وحدك،لترفع توصياتك لنفسك قبل غيرك للوصول لقرارك الذاتي.. فإن كنت في مسار عكس الكرامة الانسانية، والانتماء للوطن، والأرض والحق، فما عليك إلا ان تفحص جيناتك الوراثية فالعرق دساس،لتكتشف إنتمائك الحقيقي، فالوطن لمن يستحقه وليس لمن يدمره ولا لمن يبيعه لقوى الاحتلال.
كيف كان الوطن وكيف الآن؟ ان انتشار الجريمة لم يأتي من فراغ، وأن خطف الاطفال البريئة والضياع وارتفاع معدلات قطاع الطرق وارتفاع معدلات البطالة والسرقات الجماعية لعدد من المحلات التجارية في وقت واحد يجعل المرء يقف عندها، وسوف يكون من الصعب التكهن بما تحمله الظروف من تطورات قادمه إن استمر الوضع على حاله، فالاوضاع الاقتصادية والجهود ان وجدت لتحقيق تحسن ولو بطئ في نسبة البطالة حتى وإن كان على حساب الزيادة الرهيبة في عجز الميزانية وانخفاض الريال اليمني امام العملات العالمية فإن موقف الحكومة الشرعية سيظل خاضعا لعوامل لا تملك السيطرة عليها تماما، فالوطن في صراع مع قوى متنافسة حتى اشعار آخر مالم يتخذ قرار حاسم في مكافحة الفساد بصورة جادة خالية من الحيل الترقيعية.
فهل يشهد الوطن الجنوبي الكثير من التغيرات والتحولات الجوهرية خلال عام 2024 بعضها سيكون مفروضا عليه من جانب قوى خارجية، والبعض الآخر بفعل عوامل داخلية؟ أم يبقى الوطن مع العام أو يظل عائما كما هو عليه؟ هذا ما ستظهره الأحداث في الايام القادمة.