هذه هي المرة الأولى منذ حرب أكتوبر 1973، التي تعلن فيها إسرائيل "حالة الحرب"، رغم أنه من الناحية الفعلية لم تتوقف عملياتها العسكرية. فما دلالات ذلك؟
حالة الحرب تعني إعلان الطوارئ، ووضع مقدرات البلاد اللوجستية وبناها التحتية تحت تصرف الجيش، من أجل تحقيق أهدافه.
كما يرتبط إعلان الحرب دائماً بتجنيد قوات كبيرة من الاحتياط، مع العلم أن الجيش الإسرائيلي سبق أن جند الاحتياط في إطار حملات عسكرية دون مستوى حالة الحرب في فترات سابقة.
وكذلك يعني وضع جميع الموارد تحت تصرف الجيش، وهو ما لم يحدث من قبل، ما يشير إلى عمق الصدمة التي سببتها عملية "طوفان الأقصى" التي أعلنت حماس شنها.
إلى ذلك، قد تستدعي هذه الحالة إغلاق المطارات في البلاد، وفق سير العملية العسكرية، أو حظر التجول في حالات نادرة.
عملية "طوفان الأقصى":
بدأ هجوم حماس، نحو الساعة السادسة والنصف صباح السبت (التوقيت المحلي)، بإطلاق عدد كبير من الصواريخ على جنوب إسرائيل تسبب في دوي صفارات الإنذار. وأشارت حماس إلى أنها أطلقت نحو خمسة آلاف صاروخ، في حين قالت مصادر إسرائيلية إن العدد لا يتجاوز 2500 صاروخ.
لم يكن الهدف الرئيسي من الهجوم الصاروخي للحركة، كما بدا لاحقا، إلا التغطية على هجوم أوسع وأكثر تعقيدا، نجح من خلاله نحو ألف مقاتل من مقاتلي حركة حماس، وحركات أخرى متحالفة معها، في اجتياز الحواجز الأمنية إلى داخل الأراضي والمستوطنات الإسرائيلية، عبر الجو والبحر والبر، في فشل أمني واستخباراتي واسع لم تشهده إسرائيل منذ حرب أكتوبر 1973.
وخلال الساعات الأولى للهجوم سيطر مقاتلو حماس سيطرة كاملة على بلدات ومستوطنات إسرائيلية، كما تمكنوا من اقتحام معبر "إيرتز" شمال غزة، وقتل وأسر عدد كبير من الجنود الإسرائيليين.
أسباب سياسية واقتصادية عديدة كانت المحرك الأساسي لقرار حماس بتتفيذ هذه العملية وفي هذا التوقيت بالذات.
الرد الإسرائيلي"السيوف الحديدية":
اعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الكولونيل دانييل هاغري، أعلن السبت تعبئة واسعة النطاق للاحتياطيات، مطلقا "عملية السيوف الحديدية".
كذلك وافق وزير الدفاع الإسرائيلي، يواف غالانت، على استدعاء واسع النطاق لجنود الاحتياط، وفقاً لاحتياجات الجيش، كما أعلن حالة الطوارئ في نطاق 80 كيلومتراً من قطاع غزة، ما يسمح لقيادة الجبهة الداخلية بتقييد التجمعات.
التصعيد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي صادف اليوم الأخير من عيد العرش (سوكوت) في إسرائيل، وبعد خمسين عاما على أكتوبر 1973 التي قتل فيها 2600 إسرائيلي وبلغ عدد الشهداء والمفقودين في الجانب العربي 9500 خلال ثلاثة أسابيع من القتال.
تحليل هجوم حماس:
من خلال تحليل آلية واسلوب تنفيذ العملية، نجد أن الهجوم الذي شنته حماس تم الإعداد إليه منذ أشهر، وليس وليد اللحظة، وأنه اشتمل على تكتيكات قتالية متقدمة لم تستخدمها الحركة من قبل.
لم يكن الهدف من العملية إسقاط أكبر عدد من القتلى الإسرائيليين فقط ، بل كان الهدف ايضا اقتحام مناطق استراتيجية وأخذ أسرى والعودة بهم إلى داخل القطاع، فضلا عن تصوير الهجوم بكاميرات متقدمة، وبثها إعلاميا.
هجوم "طوفان الأقصى" وضع قواعد جديدة لشكل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وخلق ما يسميه قادة حماس "توازن الرعب" بين الطرفين.
خيارات إسرائيل:
واجه نتنياهو مع بداية هجوم حماس خيارات صعبة في ظل تمكن مقاتلي حماس من أسر عشرات الإسرائيليين العسكريين والمدنيين، منهم رتب عسكرية كبيرة.
ويريد نتنياهو حفظ ماء وجهه أمام الإسرائيليين والعالم من خلال تنفيذ هجوم واسع النطاق على قطاع غزة، لكن الإشكالية، بالنسبة له، تكمن في ثمن العملية، وأن الأسرى الإسرائيليين "موزعون على مناطق عدة آمنة على حدود غزة. وبالتالي، إذا صح حديث حماس، فإن أي اجتياح إسرائيلي للقطاع أو قصف عشوائي، قد يعرض الأسرى الإسرائيليين لنفسهم لخطر الموت.
كما توجد خشية إسرائيلية من التكلفة العسكرية والبشرية التي قد تتكبدها القوات الإسرائيلية في حال دخولها غزة، وما قد يتبعه الدخول من حرب شوارع مع المقاتلين الفلسطينيين.
ويمثل الأسرى وعددهم ورقة ضفط في يد حماس، ستحاول استخدامها من أجل إجبار نتنياهو أو أي حكومة إسرائيلية مستقبلية على التفاوض وإجراء صفقة تبادل للأسرى بسجناء فلسطينيين، طالما طالبت بها الفصائل الفلسطينية ورفضتها إسرائيل.
وإدراكا منه لخطورة الوضع، دعا نتنياهو جميع أطياف المعارضة الإسرائيلية إلى الانخراط في حكومة وحدة.
الخلاصة؛
كانت إسرائيل قد دأبت على التباهي باستخدام جيشها تكنولوجيا حربية متقدمة وبقدرات استخباراتية في اختراق وزرع عيون لها داخل صفوف الفصائل الفلسطينية. لكن ما حدث صباح 7 أكتوبر سيطرح الكثير من الأسئلة والشكوك حول القدرات العسكرية الإسرائيلية.
رد الفعل الإسرائيلي كان وسيكون استخداما مفرطا وعنيفا للقوة الغاشمة بهدف رفع معنويات الإسرائيليين، مع استغلال اعلامي مكثف لبدء حماس بالهجوم وتحميلها مسؤولية تبعات وتداعيات الحرب.
الوضع الاقتصادي والمعيشي في غزة جراء الحصار المفروض عليها منذ سنوات سيزداد تفاقما وحدة ، وسيلقي بثقله على المواطنين وعلى حركة حماس نفسها التي تدير قطاع غزة 14يونيو 2007م
*- العميد الركن ثابت حسين صالح