متلازمة الحوار السياسي والحرب تطل كلما تردد الحديث عن تسوية سياسية تضع فيها الحرب اليمنية أوزارها. فثمة مخاوف حقيقية يفرضها التاريخ السياسي في متلازمة الحوار والحرب، وها هي تطل مع الفرصة المواتية لتحويل الهدنة إلى وقف دائم للحرب ثم الانتقال لعملية تفاوضية ترمي لتحقيق ما يجب أن يكون سلاماً مستداماً في بلد لم يعرف يوماً السلام أصلا.
هذه اللغة ليست لغة تشاؤمية بمقدار ما تحتمل من قراءة موضوعية يفرضها الإرث السياسي اليمني والجنوبي كما يمنحها أفقاً ما يمكن الذهاب إليه من مسار سياسي عسير، لا يمتلك نهاية طرفية تحمل دلالات الحصول على السلام المستدام.
الاستحقاق السياسي للقضية الجنوبية ملف مؤجل لحساسيته الإقليمية والدولية، فهذه قضية ستؤدي لرسم خريطة سياسية جديدة، لذلك تبدو صعبة التناول، ومجرد الاقتراب منها مسألة تتطلب جدية في التعامل معها، لم تكن هذه القضية ضمن المبادرة الخليجية غير أنها كانت في لبّ مناقشات الحوار الوطني في صنعاء.
الحراك الجنوبي ومنذ تشكله عام 2007 اتخذ نهجاً سلمياً وتحمل تبعات ذلك النهج رغماً عن سياسات العنف الذي مارسته القوى اليمنية حتى انتزع الحراك اعترافاً وجودياً بعد أن تأطر في تكوين المجلس الانتقالي الجنوبي في 2017.
«الحوثيون» يطالبون ضمن التسوية السياسية بتسلم إيرادات الجنوب النفطية وغيرها ليتمكنوا من صرف مرتبات موظفي الدولة كما أنهم يرغبون بنقل البنك المركزي من عدن إلى صنعاء فهذه مطالبهم التي وضعوها أمام المبعوث الأممي كشروط أولى لبدء العملية التفاوضية.
الجنوبيون في المقابل ما زالوا يحاولون خلق مسار سياسي عبر الإطار التفاوضي، وهو الصيغة التي أقر بها في نقل السلطة من الرئيس السابق عبدربه منصور هادي إلى مجلس الرئاسة المكون من سبعة أعضاء يحظى فيه الجنوب بنصف المقاعد.
الإشكاليات متعددة ومعقدة وهذه طبيعة ما أفضت إليه التراكمات السياسية المتوالية في العقد الأخير فقط من دون حسابات إرث حرب صيف.
الواقعية السياسية تقول بأن الاستحقاق السياسي الجنوبي لن يمنح بمقدار ما ينتزع من القوى السياسية المتشاركة في المجلس الرئاسي، والتي لولا الحماية الأمنية والعسكرية لها في عدن لما كان لها من وجود على الأرض، كما أنها لولا انتصارات القوات الجنوبية منذ 2015 لما كان لها وجود يذكر، ومع ذلك، فإن هذه القوى السياسية تتمنع في منح الجنوبيين إطاراً تفاوضياً ضمن المسار السياسي النهائي.
من المواتي أن يكون هناك ضغط إقليمي على القوى اليمنية الشمالية في المجلس الرئاسي للقبول بمنح الإطار التفاوضي من دون اللجوء إلى منهجية الابتزاز التي لطالما أدت إلى وأد الحلول السياسية الممكنة، هذا منعطف لا يحتمل تكرار تجارب سابقة كلها انتهت بالفشل خاصة أن الجنوبيين قدموا كل ما يمكن للوصول إلى هذه النقطة التي تتطلب تنازلاً من قبل الطرف الذي يعتبر شريكاً في العملية السياسية بكل ما فيها من التعقيدات.
القضية الجنوبية حتى وهي أمام هذا الاستحقاق الصعب، تخوض معركة لا مجال لخسارتها، وهي تعمل على اجتثاث التنظيمات المتطرفة، هذا مسار يوضح مدى العقدة، فالجنوبيون ضمن أدبياتهم يحظرون نشاط كافة التيارات ذات التوجه الديني المتشدد من جماعة «الإخوان» و«الحوثيين»، وهذا يضعهم في سياق مواجهة أخرى مع أنفسهم.
والبراغماتية السياسية تقابلها أحادية في التعامل الأمني مع أحزاب وقوى سياسية شمالية بعقائد دينية، وهو عامل آخر يضاف أمام السياسي الجنوبي مما يستدعي معه تدخلاً خارجياً للضغط على القوى الشمالية لتحريك المياه في المسارات السياسية للتسوية. وأمام كل هذه الحقائق مطلوب استدعاء الواقعية، فلا مناص من أن تقبل كافة القوى بكونفدرالية تحتاجها الأطراف لمعالجة الملفات مع استمرار منهجية احتواء اليمن ضمن برامج تأهيل اقتصادي مع دول الخليج العربية.
* ـ الاتحاد