في منشور سابق كنت قد وعدت متابعي صفحتي بالتعرض لما أسميته بــ"أكذوبة المناصفة وحكومة المناصفة"، وها أنذا أتوقف عند هذه القضية وفاءً بالوعد.
كان من الواضح منذ اليوم الأول أن الحديث عن حكومة المناصفة يمثل أكذوبة كبيرة تنطوي على مجموعة من ألعاب الخدع البصربة التي يمارسها الحواة ومحترفو الألعاب السحرية.
لقد احتوى مفهوم المناصفة على مجموعة من الأفخاخ جرى إعدادها بإتقان من قبل "الشرعيين"، على النحو الذي يضمن إفشال هذه الحكومة وتحولها إلى صنم ملغوم مسموم يؤثر تأثيراً مدمراً على حياة الملايين من المواطنين الجنوبيين، وعندما أتحدث عن المواطنين الجنوبيين فأنا أعني أولائك الذين تحكمهم وتتحكم فيهم تلك الحكومة وتسومهم سوء العذاب.
فأولاً جرى إفراغ المناصفة من مضمونها بتحويلها إلى مناصفة حزبية بحيث صار توزيع الحقائب الوزارية متساوياً بين الشمال والجنوب، لكن بين الأحزاب وليس بين من يعبرون عن هموم ومعاناة وتطلعات المواطنين الذين تتحكم فيهم هذه الحكومة، وحيث إنه لا يوجد حزب شمالي يؤيد قضية الجنوب أو حتى يعترف بمعاناة المواطنين الجنوبيين جرّاء الحروب والغزوات التي أعلنتها تلك الأحزاب على الجنوب فقد أصبح معظم الوزراء الحزبيون أداة تعطيل في حكومة المناصفة ووسيلة تعذيب وإرهاق واستنزاف لحياة المواطنين الجنوبيين حتى وإن كان هؤلاء الوزراء جنوبيين.
وثانيا كان المحاور الجنوبي يتعاطى بكل نبل وسمو مع الأفكار والمبادرات المطروحة باتجاه تشكيل حكومة تعمل على إيقاف الحرب وتوفير الخدمات ودفع المرتبات وهو ما نص عليه اتفاق الرياض الذي تمخض عن تشكيل هذه الحكومة، لكن أياً من هذه المتطلبات الثلاثة البديهية التي لا تحتاج اي اتفاق، لم ينفذ حتى بعد مضي ثلاث سنوات على توقيع الاتفاق، وما توقفت الحرب إلا بعد استقالة الرئيس هادي حينما اكتشف أتباعه أنه كانوا يدافعون عن مصالح خصومهم وخصوم رئيسهم المغلوب على أمره.
لكن أكذوبة المناصفة تكمن باكثر تجلياتها في مكان آخر، فحتى الشركاء في بقالة أو كشك على قارعة الطريق عندما يشتركون في مشروعهم بالمناصفة يتفقون على أن المناصفة هي بنسب العطاء والأخذ فلا يمكن لأحدهما أن يعطي ولا يأخذ أو أن يأخذ دون أن يعطي,
والسؤال هو كم العائدات المالية والعينية والثروات التي ساهم بها الأشقاء الشماليون من أجل إنجاح حكومة المناصفة، وكم المساحات المحررة التي أدخلوها في نطاق مساحات حكم هذه الحكومة، وكم الشهداء الذين سقطوا في مواجهة الإرهاب ودحر الجماعة الانقلابية، وتعزيزا لتحقيق هذه المناصفة، وبعبارات أخرى كم المصروفات الجغرافية والديمغرافية والمالية التي ساهم بها الأشقاء الشماليون في حكومة المناصفة، وباللغة التجارية والمالية كم الخسائر التي تكفلوا بها ليحصلوا على نصف الفوائد، لا بل ليحصلوا على كل الفوائد ويظل المواطن الجنوبي يعاني في كل حياته، بدءً بانقطاع الراتب والغلاء والفقر والتجويع حتى غياب الأمن وانعدام الخدمات وانتشار الأوبئة والأمراض والعشوائية.
لا شيء يساهم به الأشقاء في حكومة المناصفة إلا المناصب، أما الموارد فعائدات نفط مأرب لا أحد يعرف أين تذهب وعائدات ميناء الحديدة تذهب إلى كهف مران وحتى عائدات خدمات الاتصالات وهي بالمليارات تذهب إلى صنعاء مشفوعة بخدمة تقديم معلومات الخصوصية والأسرار العسكرية والأمنية والاقتصادية للحوثي الذي يفترض أن وزير الاتصالات وتقنية المعلومات يحاربه ويشارك في محاصرته.
هذا هو ما يقول عليه الناس الشعبيون "داخل في الربح خارج من الخسارة"
ألم أقل لكم إنها مأساة "عندما يكون حاكم بلادك من دولة مجاورة"؟؟؟