لستم إيران ولسنا حشداً شعبياً
منذ انطلاق عاصفة الحزم في مارس 2015م كان الجنوب طرفاً رئيسياً وفي حالات كثيرة حاسماً في الانتصار لأهداف العاصفة التي قيل حينها إنها (أي العاصفة) تستهدف إنهاء هيمنة التحالف الانقلابي وإعادة الشرعية إلى صنعاء، ورفع علم الجمهورية في جبال مران.
انتصر الجنوب وقواه السياسية ومقاومته الوطنية لموقف الاشقاء في التحالف العربي من منطلقين: الأول التصدي للعدو المشترك متمثلا في التحالف الانقلابي الذي مثل امتداداً للأذرع الإيرانية في الخاصرة العربية الجنوبية؛ والثاني الانتصار لقضيته العادلة التي يعلم بمشروعيتها وأحقيتها القاصي والداني وحقه المشروع في استعادة دولته والتخلص من التبعية المقيته التي فرضتها عليه نتائج حرب 1994م البغيضة.
ومن المؤكد أن التناغم بين أهداف المقاومة الجنوبية وأهداف التحالف العربي قد كان عاملاً أساسياً في إلحاق الهزيمة النكراء بالمشروع الانقلابي في أقل من مائة يوم، وهنا من المهم الإقرار بأهمية الدعم اللوجستي والتقني الذي تلقاه الجنوبيون من قبل دولتي التحالف العربي (المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقتين) في صنع تلك النتائج المذهلة، لكن من المهم أيضا الإقرار أن هذا الدعم لم يكن ليحقق مآربه لولا الاستبسال البطولي الذي أبداه المقاومون الجنوبيون وهم يتصدون للمشروع الإيراني ووكلائه في بلادهم، ولو كان الدعم وحده يصنع انتصارات لكنا رأينا صنعاء تسقط بأيدي الأشقاء في التحالف والمقاومة الوطنية الشمالية هناك، حيث سقط العشرات من رجال الجيشين السعودي والإماراتي، لكن القادة العسكريين (الشرعيين) في تلك المناطق سلموا لشقيقهم الحوثي كل الأراضي التي حررها أبناؤها في شرق صنعاء وغرب مأرب وشمال البيضاء وكامل محافظة الجوف، وذهب الدعم العربي كما ذهبت الدماء السعودية والإماراتية أدراج الرياح.
* * *
أُسدِل الستار على زمن عاصفة الحزم (أو كاد) وحان زمن التفاهمات والحوارات وهذا ما كان ينبغي أن يتم قبل انسكاب أنهار الدماء واتساع أعداد المقابر ودوائر الخراب، ومع إسدال الستار حان موعد الاستحقاقات وتحصيل النتائج.
تشير المعطيات إلى ما يمكن استخلاصه بالتالي:
* سيحصل الحوثيون على الاعتراف الكامل بدولتهم السلالية العنصرية، كما سيحصلون على عشرات وربما مئات المليارات من الدولارات الأمريكية كتعويضات باسم المرتبات وإعادة الإعمار ، ويُرَجِّح مراقبون أن يكون هذا على حساب عائدات مبيعات النفط الجنوبي.
* سيحصل الشرعيون الشماليون (حزبا الإصلاح وتجنحات المؤتمر) على أقل من نصف الكعكة السياسية، ليس بينها مناصب عسكرية وأمنية حاسمة.
* سيحصل الجنوبيون على شهادة تقدير واحترام وبيانات إشادة ربما تكتب بماء الذهب مقابل آلاف الأرواح وشلالات الدماء التي سكبها أبناؤهم على مذبح "عاصفة الحزم" ومقابل تسخير ثروات الجنوب لتعويض الحوثيين واستبقاء منهوبات الناهبين التي بسطوا عليها أثنا ذروة سطوتهم بعد غزوة 7/7 البغيضة، ولا عزاء للثكالى والأرامل واليتامى وآلاف الجرحى والمعوقين الجنوبيين الذين نذروا أرواحهم ودماءهم لانتصار "عاصفة الحزم" والذين ما يزال الكثير منهم يعاني من آلام وأوجاع الإصابات ولم يلاقوا ثمن العلاج أو كلفة العملية الجراحية.
* * *
تلك هي التسريبات وربما التمنيات التي ينشرها إعلام صنعاء واسطنبول، لكن هل تلك هي الحقيقة؟؟
أعود للتذكير بما قلته ذات يوم للأشقاء في التحالف العربي:
الجنوبيون ليسوا حشداً شعبياً وأنتم لستم إيران، وليس بيننا وبينكم تابعاً ومتبوعاً ولا كفيلاً ومكفولاً، بل إن ما بيننا وبينكم مختلفٌ جداً ونثق أنكم تدركون هذا جيداً.
إن غالبية الجنوبيين يعتبرون ما بيننا وبين الأشقاء في التحالف العربي شراكةً نديةً تقوم على الأهداف المشتركة والمصالح المشتركة، كما إن أرواح ودماء أبناء الجنوب لا يساويها ثمنٌ إلا استعادة الدولة والسيادة غير منقوصتين على كامل تراب أرضنا الجنوبية بحدود 21 مايو 1990م.
إننا نبارك وسنبارك أية تسوية سلمية للخلافات بين الأشقاء في السعودية ودول الخليج وبين الأشقاء في الجمهورية العربية اليمنية، ولكم تمنينا أن تسوى هذه الخلافات قبل أن تسفك الدماء وتزهق الأرواح ويهدم العمران، غير إن الشعب الجنوبي لن يقبل بأية تسوية تنتقص من حقه في استعادة دولته، ويحذونا اليقين والثقة أن الأشقاء في التحالف العربي يدركون ذلك من وحي تجربتهم مع الأشقاء في الشمال.
إن تجاهل القضية الجنوبية والقفز عليها أو حلَّها حلًّاً ترقيعياً على طريقة "المبادرة الخليجية" و"اتفاق ومشاورات الرياض" لا يمكن أن يحقق أي سلام بل إنه سيمثل حقلاً من الألغام في طريق السلام الذي يفتقده الإقليم كله بسبب الطغيان والفساد والاستبداد والظلم والحرب وسياسات الاجتياح والاستباحة التي عاشتها وتعيشها اليمن.
ولا سلام عادل ولا أمن ولا استقرار في المنطقة وكل المحيط الإقليمي إلا بعودة الحق الجنوبي إلى أهله كاملاً غير منقوصٍ.