‘‘ المرعى أخضر ولكن العنز مريضة‘‘

2013-07-11 16:29

أكتب هذه المقالة من باريس في رحلة علاج الركبتين وأخشى أن أتهم بميلي إلى الغرب وأنا أكتبُ عنهم شهادة حق وإنصاف ، ووالله إن غبار حذاء محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) أحبُ إليّ من أميركا وأوروبا مجتمِعَتين .

 

ولكن الاعتراف بحسنات الآخرين منهج قرآني ، يقول تعالى: « ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة ».

 

وقد أقمت في باريس أراجع الأطباء وأدخل المكتبات وأشاهد الناس وأنظر إلى تعاملهم فأجد رقة الحضارة ، وتهذيب الطباع ، ولطف المشاعر ، وحفاوة اللقاء ، حسن التأدب مع الآخر ، أصوات هادئة ، حياة منظمة ، التزام بالمواعيد ، ترتيب في شؤون الحياة !

 

أما نحن العرب ؟؟؟

فقد سبقني ابن خلدون لوصفنا بالتوحش والغلظة ، وأنا أفخر بأني عربي؛ لأن القرآن عربي والنبي عربي ، ولولا أن الوحي هذّب أتباعه لبقينا في مراتع هبل واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى . ولكننا لم نزل نحن العرب من الجفاء والقسوة بقدر ابتعادنا عن الشرع المطهر.

 

نحن مجتمع غلظة وفظاظة إلا من رحم الله !

 

فبعض المشايخ وطلبة العلم وأنا منهم جفاة في الخُلُق ، وتصحّر في النفوس ، حتى إن بعض العلماء إذا سألته أكفهرَّ وعبس وبسر!

 

الجندي يمارس عمله بقسوة ويختال ببدلته على الناس !

 

ومن الأزواج زوج شجاع مهيب وأسدٌ هصور على زوجته وخارج البيت نعامة فتخاء!

 

ومن الزوجات زوجة عقرب تلدغ وحيّة تسعى !

 

من المسؤولين من يحمل بين جنبيه نفس النمرود بن كنعان كِبراً وخيلاء حتى إنه إذا سلّم على الناس يرى أن الجميل له ، وإذا جلس معهم أدى ذلك تفضلاً وتكرماً منه

 

الشرطي صاحب عبارات مؤذية!

 

الأستاذ جافٍ مع طلابه !

 

فنحن بحاجة لمعهد لتدريب الناس على حسن الخُلُق !

 

وبحاجة لمؤسسة لتخريج مسؤولين

يحملون الرقة والرحمة والتواضع!

 

وبحاجة لمركز لتدريس العسكر اللباقة مع الناس !

 

وبحاجة لكلية لتعليم الأزواج والزوجات فن الحياة الزوجية!

 

المجتمع عندنا يحتاج إلى تطبيق صارم وصادق للشريعة لنخرج من القسوة والجفاء الذي ظهر على وجوهنا وتعاملنا !

 

في البلاد العربية يلقاك غالب العرب بوجوه عليها غبرة ترهقها قترة ، من حزن وكِبر وطفشٍ وزهق ونزق وقلق

 

ضقنا بأنفسنا وبالناس وبالحياة!

 

لذلك تجد في غالب سياراتنا عُصي وهراوات لوقت الحاجة وساعة المنازلة والاختلاف مع الآخرين ، وهذا الحكم وافقني عليه من رافقني من الدعاة ، وكلما قلت: ما السبب ؟

 

قالوا: الحضارة ترقق الطباع !

 

نسأل الرجل الفرنسي عن الطريق ونحن في سيارتنا فيوقف سيارته ويخرج الخارطة وينزل من سيارته ويصف لك الطريق وأنت جالس في سيارتك !

 

نمشي في الشارع والأمطار تهطل علينا فيرفع أحد المارة مظلته على رؤوسنا!

 

نزدحم عند دخول الفندق أو المستشفى فيؤثرونك مع كلمة التأسف.

 

أجد كثيراً من الأحاديث النبوية تُطبَّق هنا ، احترام متبادل ، عبارات راقية ، أساليب حضارية في التعامل.

بينما تجد أبناء يعرب إذا غضبوا لعنوا وشتموا وأقذعوا وأفحشوا ، أين منهج القرآن: «وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن » ، « وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما » ، « فاصفح الصفح الجميل »

« ولا تصعّر خدّك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إن الله لا يحب كل مختال فخور ، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير»

وفي الحديث: « الراحمون يرحمهم الرحمن »

و « المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده »

 

و « لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا»

 

عندنا شريعة ربّانيّة مباركة لكن التطبيق ضعيف.

 

يقول عالم هندي:

(المرعى أخضر ولكن العنز مريضة)

 

اتمنى ممن قرء هذه الرسالة أن يغير من تعامله ولو الشيء اليسير .مع المجتمع من حوله،مع أهله، مع جميع الناس، مسلم أو غيره .

 

يجب أن نرتقي بتعاملنا مع الناس.

فنحن خير أمة أخرجت للناس. .