((لا نحقق الأعمال بالتمنيات، إنما بالإرادة تُصنع المعجزات))
هذا ما قاله ماو تسي تونغ مؤسس جمهورية الصين الشعبية قبل أكثر من سبعين عاماً، و في الأول من أكتوبر كل عام تحتفل الصين بذكرى تأسيسها، إن تاريخ الصين الممتد لآلاف السنين لم يكن ممهداً بالحرير كما يظن البعض، بل تخللته صعوبات وحروب وغزوات لم يكن من السهل تجاوزها لولا الإرادة الواعية والعمل الجاد للشعب الصيني تمثل الصين فرصة شاخصة ومثال حي لاستقاء الدروس منها، سواءً فيما حققته من نجاحات وصولا للاستفادة من الاخفاقات والأخطاء أيضا، والمرونة التي تتحلى بها لتجاوز العقبات والتعامل مع التحديات، لقد واجهت الصين ما وصفه المؤرخون بأقذر حرب في التاريخ، وهي "حروب الافيون" التي اندلعت خلال القرن التاسع عشر بين الصين من جهة وبريطانيا من جهة أخرى، وانضمت إليها في المرة الثانية كل من فرنسا وروسيا والولايات المتحدة .
وسبب تلك التسمية يعود إلى أن الهدف المعلن لتلك الحروب هو "السماح بزراعة وتصدير الأفيون وبيعه في الصين!! " كرد فعل على منعه ومحاربة انتشاره، على عكس ما يتم إعلانه من مسوغات لشن الحروب والتي تكون مغلفة بحسن النية كنشر الديمقراطية مثلا، في حين أنها تبطن أسبابا أخرى كالاستيلاء على الثروات والسيطرة على القرار السياسي.
لقد عانت الصين من تنمر الدول العظمى وغزوها والتحكم في قرارها السياسي، كما تم إجبار الصين -على إثر هزيمتها في تلك الحروب- على استيراد الأفيون والسماح ببيعه ونشره بين الصينيين حتى أصبحت غالبية الشعب مدمنة تعاني الضياع مغلوبة على أمرها بالمعنى الحرفي للكلمة، ناهيك عن إجبار الصين على القبول بحزمة واسعة من التنازلات والخضوع الكامل للدول العظمى حتى الاذلال، إلى أن تنازلت الصين عن هونغ كونغ لبريطانيا لمدة 99 عاما وبالمجان عانت الصين بعد ذلك الأمرّين، فكيف لشعب مدمن للأفيون مغيب تماما عن الواقع أن يسهم في بناء وطنه والحفاظ على مكتسباته ؟! ظلت الصين تترنح لسنوات طوال عاجزة عن فعل شيء أمام تدفق الفضة وهي العملة الثمينة والتي كانت سببا من أسباب الحرب، تلى ذلك فترة تقهقر فلم تكن الصين تملك قرارها، وأصبحت دولة هامشية ليس لها دور مؤثر في الأحداث السياسية خلال تلك الحقبة، وقد تم استغلال الشعب الصيني حينها وتشغيله فيما يشبه السخرة لدى التجار البريطانيين، إلى أن جاءت اليابان أخيرا وقامت خلال عهد ميجي بغزو الصين واحتلالها وإجبارها على التنازل عن أراض شاسعة فضلا عن دفع تعويضات مالية وتقديم تسهيلات تجارية لليابان لكن كل تلك الأحداث المأساوية لم تشكل نهاية التاريخ الصيني، بل ولم تمنع التنين الصيني من نفض الغبار من على أكتافه لينهض ثانية، ففي نهاية الأربعينات من القرن الماضي قام ماو بتأسيس الصين الحديثة، وانتشلها من الضياع الكامل إلى أن تبوأت الآن مكانة مرموقة على الخارطة الدولية، ورغم الأخطاء التي ارتكبها ماو والسرعة في تنفيذ القفزة وهو ما ألقى بظلاله على الوضع الصيني بعد ذلك لسنوات، ، فالأخطاء التي ارتكبها ماو كانت بمثابة الحجر الذي ألقي في المياه الراكدة، لم يقنط الشعب الصيني ولم يفقد الأمل ولم تنطفئ شمعة الارادة بداخله، فالصينيون رغم تبجيلهم لماو إلا أنهم يشيرون بشجاعة تستحق الإعجاب لأخطائه واخفاقاته ويحاولون استقاء الدروس منها، إن نظرة الصينيين لإرثهم وتراثهم متميزة، فهم بجانب اعتزازهم بالإرث والتقاليد اما نحن العرب لم ندرك بعد أن عجزنا نابع من داخلنا، وأن التآمر علينا لن يتم دون أن يجد له ملاذاً آمناً في واقعنا، يقول غاندي " كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه ف العالم"، ان الرهان متوقف على الفرد ونظرته لذاته، وإدراكه لأهمية وضرورة السعي نحو المعرفة والتنوير، وعدم السماح بالتلاعب بوعيه وتوجيهه وحشوه بالأفكار والمعتقدات والقيم دون تمحيصها وعرضها على العقل بفكر نقدي مستنير، علينا الايمان بأنفسنا والنظر إلى دواخلنا وإدراك أن تغيير ما بالداخل كفيل بتغيير كل ما هو بالخارج، وأن الشعوب المغيبة الغارقة في الملذات وسفاسف الأمور لن تدرك النهضة ولن تقترب منها . وفي الختام علينا أن نستلهم من الصين كيف تخلصت من آفة الأفيون حتى استقامت ونهضت وكيف لنا التخلص من القات والسؤال المطروح هو: هل يمكن مقارنة الافيون في الصين زمان والقات في اليمن اليوم؟؟
ليت الأمر توقف عند هذه الآفة وحدها "القات" بل أصبحت اليمن كلها اليوم سوقا مفتوحة لكافة أنواع المخدرات تديرها شبكة من العصابات الدولية التي تنشرها بكافة انواعها ليس هذا حسب بل وأصبحت سوقا لتهريب تلك الآفات الى الخليج والجزيرة العربية !!
فمتى تصحو الأمة لاقتلاع القات وهذه السموم القاتلة التي تغزو الأسواق العربية ؟!!
د. علوي عمر بن فريد