قدر الكبار أن يكون رحيلهم موجعاً فاجعاً، فلقد كانوا في حياتهم كباراً فالرجل الذي بدأ حياته عسكرياً، مدافعاً عن تراب مصر، وجندياً مشاركاً في حرب أكتوبر المجيدة، هو الشخصية القيادية التي تقلدت مهام القيادة خلفاً للمؤسس الخالد المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه - ليقود بلاده الإمارات العربية المتحدة ويمكنها ضمن سياسة «التمكين»، التي انتهجها كنهج لتمكين مؤسسات الدولة الاتحادية ولتنتقل معه البلاد في تكريس نهج الاستدامة والرخاء والازدهار. خليفة بن زايد، وفي معية إخوانه النجباء كانوا على الدرب ذاته، فكان السند والعون لكل شقيق عربي، وكان الغوث للمظلومين على كل تراب عربي، فامتدت يده بالعطاء لكل مستغيث، وامتد فيض كرمه إلى كل كبد رطبة في مشارق الأرض ومغاربها، فهذا الرجل وفي عهده سيكتب التاريخ أن جنود الدولة كانوا في عدن يوم العسرة. ويوم اشتد الكرب العظيم كان رجال القوات المسلحة الإماراتية يخوضون في تلكم المدينة العربية نضالاً لم يعرف له التاريخ مثالاً. في معارك عدن وحضرموت وشبوة والساحل الغربي من اليمن كانت الرايات الإماراتية ترفرف عزاً بعزة العروبة، وبنبض خليفة الذي كان وسيظل اسماً محفوراً كوالده المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أعاد بناء سد مأرب التاريخي، وعاد ابنه خليفة وجنود الإمارات من بعد لتحرير اليمن وتطهيره، فهذه سيرة الرجال بعد الرجال، وسيرة الخالدين الباقية ذكرهم شجاعة وكرماً ووفاءً. فما رحل زايد، وما رحل خليفة، طالما أن إخوانه من آل نهيان باقون على هذه الدنيا، يسيرون على النهج ذاته كابراً عن كابر. المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، تذكره سقطرى ومستشفاها العامر المعمور بكرمه وعطفه، فكل الناس في الأرخبيل البحري يدعون له بعد أن أكرمهم بمستشفى خليفة التخصصي، وبعد أن قامت «مؤسسة خليفة للأعمال الإنسانية» ببناء المدارس وتعبيد الطرقات وحفر الآبار وبناء الميناء البحري وتشييد المطار.. كل هذا العطاء كان من الشيخ خليفة للناس مجاناً.. إنه عطاء من كريم، وجود من أجود الكرماء فاستعف أهل سقطرى كما استعف كل إنسان وصلته عطاياه في كل أرض وتحت كل سماء. الإمارات فقدت والدها الثاني بعد زايد، وفي عدن ومدن اليمن، فقدوا والدهم المُحب العطوف زمن العطف والشجاع الصلب وقت الحرب، هذه ليست كلمات تسجل نعياً بل هي تأكيد على الخلود ذكراً في عقول شعب لن ينسى خليفة كما لم ينس يوماً أباه. لا شك في أن الفقدان صعب ومرير، غير أنه القضاء والقدر أن يرحل الكبار بهكذا أثر يتركونه من بعدهم. مضى خليفة بن زايد كريماً متسامحاً محباً وسيمضي من بعده شعب الإمارات. فهذا هو مسير دولة، وهذا قدرها أن تمضي ولها من التأثير في خواطر الشعوب حباً فائضاً وحزناً متبادلاً على فاجعة تتشاطرها عدن مع أبوظبي، فالمصاب الجلل نزل نفوس أحبت خليفة الإنسان حباً جماً.