بايدن يرحب بالهدنة.
جونسون يرحب بوقف إطلاق النار.
أمين عام الأمم المتحدة يشيد بالجهود المبذولة لوقف الحرب.
طهران والتحالف العربي يفعلان ذات الشيء.
الحوثي يكسب في الاتجاهين في السياسية والحرب، فما عجز عن تحقيقه بالجيوش الجرارة، تمكن من حصده بدبلوماسية المفاوضات غير المعلنة.
قال إن لا تفاوض مع السعودية وكان له ذلك.
قدم نفسه كسلطة أمر واقع معترف بها من الفاعلين الدوليين، وكان فعلاً طريقاً إجبارياً يجب المرور عبره لقراءة على مسمعه وقبل الشرعية بل ومن دونها، مقترحات التسوية، فوحده من يمنحها أوكسجين الحياة أو يجهضها في المهد.
لم يتزحزح قيد أنملة في مطالبته برفع الحصار، قبل أن يقرأ بسملة وفاتحة الكتاب، الآن تتدفق السفن نحو ميناء الحديدة، ويُعاد فتح المطار.
لا أحد يشعر بالغبطة السياسية من إقرار الهدنة كما هو حال الحوثي، إذ كسر قواعد التفاوض القائمة على التنازلات المتبادلة، وتقديم ورقة مقابل ورقة وموقف مرن لحصد مرونة مقابلة، الحوثي بمزيد من التصلب والتقتير بتقديم التنازلات، نال كل شيء مقابل عدم دفع الثمن، حقق نصراً بلا شيء.
ومع ذلك بيد الحوثي نسف الهدنة وقت شاء، وبعد تحصيل فواتير ضعف الأطراف الأُخرى.
فالهدنة غير محمية بقوة مراقبة دولية مستقلة، لضمان عدم خرقها، الحوثي والشرعية الهزيلة هما فقط وفق بنود الهدنة، من يقدمان ضباط مراقبة، وهو ما يسمح بتقويضها وإعادة إنتاج التفاف الحوثي على اتفاق ستوكهولم.
الخيارات بيده إما أن تستمر الهدنة أو يطلق عليها رصاصة الرحمة، بعد تخليص ما يراه حقاً له.
نعم جميعنا يعرف أن الحوثي يمتلك قدرة فائقة على التملص من التزاماته، وصنعه الحجج لتبرير غسل يديه من تعهداته، ولكنه إزاء غياب قوة الضغط الرادعة للآخرين، وصل الفاعلون في الملف اليمني إلى قناعة متعسفة، مضمونها، أنه لا يمكن الا التعايش مع مثل هكذا ذهنية جامحة، وترويضها عبر منحها المزيد من التنازل بعد أن سقط خيار كسره عسكرياً.
الواقع أن الحوثي ومن خلفه إيران الوحيد الذي استثمر في الصراع الدولي، والهلع العالمي حيال معارك الطاقة، وبمجموعة استهدافات مُحكمة، ومحددة الهدف السياسي، على منابع نفط السعودية في مثل هكذا توقيت فائق الحساسية، أخرجه من خانة القوة المارقة الانقلابية، وعلى الضد من قرارات مجلس الأمن، إلى ما يشبه الدولة القائمة بقوة الأمر الواقع، وطرح على المرجعيات خياراً واحداً، أن لا حل دون استيعاب هذا الحضور المُكلِف للجوار وللاقتصاد العالمي، بتقديم وجبة تنازلات سيتبعها حتماً المزيد.
في لعبة المصالح والنظرة الواقعية لصناع القرار الدولي، نحن نقترب من تسوية يكون فيها الحوثي هو الشرعي، والشرعية هي كمّالة عدد.
هذا إذا صمدت الهدنة ولم يخرقها الحوثي، بإسقاط مأرب حلمه المشتهى.