حظيت عملية إعصار الجنوب بتغطية مميزة، ونجاح مراحلها زاد من زخمها وجعل منها حديث الشارع الجنوبي واليمني والخليجي والعربي والعالمي، وذلك نتيجة وجود قوة عسكرية حقيقة، تمكنت من بلورة فكرة هذه العملية إلى واقع ملموس في وقت قصير للغاية، مما مثل برهان اخر يؤكد تخاذل القوات الأخرى وعدم عزمها وجديتها في مواجهة الحوثي، وعززت هذه العملية حضور العمالقة وأصبح الجميع في المحيط والاقليم والعالم يرون في هذه القوة حليف لا ينكسر وقوة ليس في قاموسها الهزيمة المطلقة، وخياراتها محدودة وهي الانتصار ويأتي بعده خيار آخر وهو الانتصار إلى مالا نهاية حيث يقع هناك شعار واضح إسمه الانتصار.
وضربت هذه العملية مليشيا الحوثي المدعومة إيرانياً في مقتل وبعثرت باوراقها وأظهرت للجميع هشاشة وركاكة وضعف هذه القوات، وبينت للجميع أن هذه الجماعة المليشيا التي تنفذ أجندات خارجية تقوض أمن المنطقة والعالم، ماهي الا فقاعة أعطيت اكبر من حجمها وان اجلاسها على طاولة حوار كطرف خطيئة لا تغتفر، وان بالإمكان القضاء عليها في حال وجد تصميم ودعم وإرادة حقيقية، كما وضحت أن الهزائم التي تتلقاها بعض القوات على يدها هي ناتجة عن نكاية لأطراف أخرى وتهديد وابتزاز رخيص لقوى التحالف، وهذا ناتج عن وجود أطراف سياسية داخل الإطار الشرعي والحكومي في اليمن تخدم أجندات خارجية تسعى إلى إضعاف دول الجوار والتسبب بالاذى الدائم لهم وأن ما يظهرونه من مواقف علنية عن عدائهم الحوثي ومساندتهم التحالف في إعادة الحكومة هي مجرد مواقف كلامية إعلامية لاستنزاف التحالف والتسبب في خسارته إلى أجل قد يطول لصالح جماعة تستخدم لغة القوة وتهدد السلم وتدعي احقيتها بحكم اليمن وفرض أفكارها على كل العالم.
كما بلورت هذه العملية للجميع أنه بوجود قوات كالعمالقة الجنوبية، سيهزم الحوثي للابد وسيسقط كأوراق الشجر اليابسة وهو بحاجة ليد قوية وغليظة وثابتة كالعمالقة لهز شجرته المترهلة التي تقاوم من أجل العيش والبقاء أو تحاول السطو على مساحات أخرى نبتت فيها أشجار وهمية كرتونية ليس لها جذور مقاومة للرياح والعوامل الخارجية المؤثرة.
وهنا يتبادر إلى ذهن كل متابع، أما اتعض التحالف من الرهان على قوات لا تحقق أدنى ما يجب عليها القيام به وتخسر مالا يقبل المنطق خسارته بكل سذاجة واستحمار للعقول؟.
لنسلم بذهنية التحالف غير المتحفزة أو المقيدة بأمور قد لا نفهمها نحن العامة التواقون، فما علينا سوى وضع الكرة في ملعب المتحكم باللعبة لتقرير ما هو سليم ولو كان بداية من هذه التغيرات التي تحدث على الساحة وتهيء لمناخ جديد وفصل قادم من فصول حرب أمتد أمدها والتهمت الكثير وسادت فيها أمور لم تكن في الحسبان وأضحت الاستراتيجية القادمة بحاجة إلى تغييرات جذرية ومواقف أكثر حزم وجدية لأن تكرار نفس العوامل السابقة لا يفرز معادلة مختلفة عن السابق.
ومن الواضح أن هذه العملية خلقت تصور أخر بعد التأثيرات التي اضفتها هذه العملية، حيث أدرك الحوثي حجم خطر هذه العملية ومدى جديتها وصعوبة الصمود أمام قوة متمرسة ومستعدة للتضحية والقتال أكثر من أي وقت مضى، وتيقنه بأن نهجاً جديداً سيدخل حيز التنفيذ ضمن التكتيكات العسكرية يختلف شكلاً ومضمونا من حيث الادوات والفاعلية والجرأة، والمعطيات أكدت على ذلك، والنتائج قطعت الشك باليقين لدى الحوثيين أن محور المقاومة ومعارك التحرير دخلتا منحى آخر حاسم.
هذه العوامل التي استنبطتها المليشيات الحوثية ومن خلفها محور الشر والإرهاب ممثلاً بإيران وحزب الله اللبناني اقتضت إتخاذ اجراء اخر أكبر، أشبه بعملية جراحية نتيجتها ستكون البقاء حياً مع بعض الأمراض التي يمكن مقاومتها أو الموت وهو الخيار الذي لا يتمنياه بكل تأكيد.
وقامت مليشيا الحوثي بهذا الاجراء الجراحي الخطير، واعلنت مسؤوليتها عن هجوم استهدف العمق الاماراتي ورغم محدودية الأهداف التي كان يطمح الحوثي لتحقيقها من هذه العملية، الا أن أضرارها أعمق بكثير ويحسب للغباء الحوثي عدم مقارنة احتمالية النجاح التي لا تقدر سوى ب10٪ مقارنة باحتمالية الوفاة التي استحوذت على النسبة الباقية.
وهنا يجب أن نتوقف عند نقطة مهمة وهي أن العالم والمحيط والاقليم والخليج وكل القوى الموجودة في الكون، ادركت خطورة هذه الجماعة ونهجها الإرهابي الذي يتخطى الجوار، ويصل إلى حيث تضع القوى العالمية ثقلها تجارياً وعسكرياً في نقطة مهمة ومركزية في الشرق الأوسط هي دولة الامارات.
وحفزت هذه العملية الامارات على المضي أكثر في هدم هذه الجماعة التي تشكل خطر أصبح حقيقياً على مكانتها الريادية وتنميتها وسمعتها كمتنفس ومحطة للعالم أجمع الذين يتقاطرون يومياً لقضاء أعمالهم والاستمتاع بعطلهم.
وهذا الشعور بالحافز الإضافي والعامل المعنوي والمبرر الجلي، انعكس على أداء التحالف التي تتزعمه السعودية وتنشط فيه الامارات، ايجاباً، حيث أصبحت العمليات متسارعة والضربات الجوية تنم عن نهج اخر واستراتيجية فاعلة، مما جعل المليشيا الحوثية أكثر ضعفا وأكثر خوفاً ورعباً وخسائرها في ازدياد والصفعات تتوالى عليها.
فما على هذا التحالف الا مواصلة المسار وتعزيز قوات العمالقة الجنوبية وتوسيعها وتمتينها ودعمها وادارت الظهر لكل القوى التي عبثت في مشهد الحرب واتخذت هذه الحرب للتكسب والابتزاز والمناورة والخداع لتحقيق غايات قوى متربصة، وعندها ستنهار هذه الجماعة وستدخل في غيبوبة نتيجة عملياتها غير المدروسة والناجمة عن قلة الخيارات، وظنناً منها أن عملية باهته وضعيفة سترغم دول تتقدم عليها بسنين ضوئية، تترك كل ما بداته بسهولة وهذا أمر لا يعني النجاة فخطر تمكن الجماعة الحوثية وفرض سيطرتها كدولة مستقلة يعني بلا شك أطماع أكبر، لكن من سوى حظ الجماعة أن عملية كهذه لا يمكن أن تنتج فك لي وافك لك وعندها تكسب المزيد من أدوات الحرب وتضربني.
على هذا النهج يجب أن تستمر العمليات، وعلى هذا الأسلوب يجب أن تستمر حتى تحقيق كل الأهداف التي تبدأ بالقضاء على جماعة وكيلة لإيران تهدد العالم من أجل أن يمتلك موكلها سلاحاً نووياً يحطم العالم ويهدده ويقوض حياته بل وقد ينهيها، والنهاية بتحقيق اخر هدف وهو إستقرار الوضع.
*- شبوة برس ـ اليوم الثامن