قلبت انتصارات شبوة التي حققتها ألوية العمالقة والمقاومة الشبوانية بمساندة ودعم طيران التحالف العربي، قلبت الطاولة على الجميع وصنعت معادلة جديدة لم تخطر على بال الذين خططوا لنقل المعركة إلى شبوة، وترك الحوثي وعصاباته يبسطون هيمنتهم على كل الشمال وتسليمه محافظات الجنوب بالتقسيط.
كما بينت تلك المعارك أن كل الفيالق الجرارة التي انتقلت من نهم ومأرب والجوف والبيضاء إلى شبوة لم تكن تحارب الحوثيين، وكيف تحاربهم وهي من سلمتهم مساحات تساوي أكثر من ثلث مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) في محافظات الجوف وشرق صنعاء ومأرب وشمال البيضاء، فضلا عن مديريات بيحان الثلاث.
كل الذين كانوا يتهكمون على ألوية العمالقة وعلى قوات الأمن والمقاومة الجنوبية وينعتونها بالعمالة والتبعية للإمارات، غيروا لهجتهم، وصاروا يشيدون بما أنجزته تلك القوات، وإن أصروا على حشر "الجيش الوطني" فيما لا شأن له به، وقد قرأت عشرات المقالات والمنشورات لكل الذين كانوا يلعنون قوات المقاومة الجنوبية تتغني بانتصاراتها المبهرة في شبوة، وقد علق أحد الظرفاء بالقول: لم يبق إلا عبد الملك الحوثي لم يبعث ببرقيات التهنئة لألوية العمالقة والمقاومة الجنوبية على ما حققته من معجزات.
هناك ملاحظات مهمة لا بد من التعرض لها في ها المقام تتعلق بما بعد تحرير بيحان وكل شبوة من الجماعات الإرهابية سواء منها ما جاءت باسم آل البيت أو ما جاءت تبحث عن دولة الخلافة في شبوة والجنوب.
- لقد برهنت معركة تحرير بيحان مجموعة من الحقائق أولها أن الحوثيين ليسوا بتلك القوة التي ظلت تصورهم بها وسائل الإعلام (الشرعية) وقنوات إسطنبول والإعلام المدافع عن هزائم المتاجرين في الحرب والمستثمرين فيها، كما إن "الجيش الوطني" المحسوب على جماعة الإخوان ونائب رئيس الجمهورية لم يكن يخوض حرباً مع الحوثيين بل كان يداعبهم ويتسلى معهم متفقين معا على استنزاف التحالف العربي ومواصلة الحرب لتحقيق مزيد من المصالح التجارية والاستثمارية ليس إلا، وإلا لكان بمقدور هذا "الجيش الوطني" أن يفعل أضعاف ما فعلته ألوية العمالقة وبوقت أقصر وتكلفة أقل.
- رغم وضوح الانتصارات وضوح الشمس وإقرار الحوثي بالهزيمة هناك مثقفون مبرمجون على نظرية المؤامرة وقد سمعت أحد الأكاديميين وهو من أكثر أدعياء معاداة الحوثيين، وأكثرهم انتقادا للشرعية والتحالف العربي يطل من على شاشة إحدى قنوات إسطنبول ويقول: إن تحرير بيحان بمديرياتها الثلاث على أيدي قوات العمالقة الجنوبية والنخبة الشبوانية يمثل انتصارا لمشروع الاحتلال الإماراتي للشواطئ اليمنية ويرى أن قوات العمالقة لا تخضع لقيادة "الجيش الوطني" اليمني ووزير الدافع اليمني الشرعي وأنها قوة مليشياوية شطرية، ولا تندرج في إطار المؤسسية العسكرية اليمنية، ولسنا بحاجة إلى القول بأن "الجيش الوطني" ووزير الدفاع الذي يتغني به هؤلاء هو من سلم مديريات بيحان للحوثيين مثلما سلم قبلها كل محافظة الجوف وأغلب مديريات محافظتي مأرب والبيضاء وفرضة نهم الاستراتيجية دون أن يخسر مائة طلقة رصاص في مقاومة الحوثيين، ولو أن المقاومة الجنوبية بتشكيلاتها المختلفة تخضع لـ"الجيش الوطني" ووزير الدفاع لكان القوات الحوثية قد عادت إلى عدن منذ أعوام ولكان قادة تلك القوات أسرى بأيدي عصابات عبد الملك الحوثي.
- هناك أحاديث كثيرة تدور حول توجه قوات العمالقة والمقاومة الجنوبية باتجاه مأرب أو البيضاء الشماليتين، وفي هذه القضية أرى (وهذا رأي شخصي) أن معركة تحرير محافظات الشمال هي معركة المواطنين الشماليين، وفي مأرب والبيضاء كما في بقية محافظات الشمال ملاىيين المقاتلين البواسل الذي هم في غنى عن تدخل الجنوبيين ، كما إن التفاوت الديمغرافي ووجود كثافة سكانية في محافظات الشمال يجعل أية مساهمة جنوبية غير ذات قيمة أمام تلك الملايين من أبناء الشمال الماهرين في فنون القتال واستخدام السلاح بكل أنواعه، بيد إن هذا لا يمنع الجنوبيين من دعم ومساندة الأشقاء في الشمال ، كما قال الأخ اللواء عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، لكن على الجميع أن يدرك أن الجنوبيين لا ينبغي أن يقاتلوا نيابة عن المواطنين الشماليين، فضلا عن أن أي تدخل جنوبي في محافظات الشمال دونما مبادرة الشماليين أنفسهم يجعل القوات الجنوبية قوات غازية في نظر بعض المواطنين الشماليين البسطاء.
- إن القوات المسلحة الجنوبية بتشكيلاتها المختلفة أمام تحديات كثيرة وجسيمة أهمها تأمين الجغرافيا الجنوبية من أي مخاطر إرهابية، داعشية أو حوثية أو ما يشابهها، وهناك مناطق جنوبية بحاجة إلى التأمين والحفاظ على سلامة أهاليها وعلى مؤسسات الدولة والمرافق الاقتصادية والخدمية والأهلية فيها، وخصوصا في وادي وصحراء حضرموت والمهرة، حينما يتوجب نقل الألوية الشمالية المنتشرة على طول تلك المساحات المترامية الأطراف.
انتصارات قوات العمالقة الجنوبية ومعها المقاومة الجنوبية في شبوة أعادت رسم خارطة القوى السياسية والعسكرية والأمنية على نحوٍ يستدعي تغيير التعاطي مع كل المعادلات السياسية والأمنية والعسكرية والخدمية، ومن المهم أن تقتنع قيادة التحالف العربي أن الحروب لها رجالها والاستثمارات المالية لها أيضا رجالها فتجار الحروب الذي فشلوا في تحرير مديرية صغيرة أو مجموعة من القرى الصغيرة على طول وعرض مساحة الجمهورية العربية اليمنية (السابقة) وعلى مدى سبع سنوات لا يمكن الاستمرار في الرهان عليهم لتحرير مئات آلاف الكيلو مترات المربعة من تلك المساحات التي أخذها منهم الحوثيون في أسابيع قصيرة، وينبغي مساءلتهم على كل الفشل الذي حققوه رغم كل ما قدم لهم من تسهيلات وإمكانيات ومساندة طيران التحالف وكل عوامل الانتصار، لكنهم أصروا على اقتناص فرص الهزائم والقفز على كل فرص الفوز.