حتى اللحظة لا يمكن الحديث عن ملامح أية انفراجة في الأزمة اليمنية القائمة على ثنائية "الانقلاب - الشرعية"، والتي يتشبث كلٌ من طرفيها الرئيسيين بما يعتقده مستمسكات تمنحه الحق في أن يكون الممثل الوحيد للشعب اليمني، بل أن يكون هو الشعب اليمني، ناهيك عن ثنائية "الشمال – الجنوب" التي لم يبد الأشقاء أي مؤشر على استيعابهم لجوهرها ولمضمون القضية الجنوبية بشكل عام في ظل تعنت أوصياء 1994م على أنهم الشرعية الوحيدة ولا شرعية للشعب الجنوبي بملايينه الستة.
عند ما أعلنت عاصفة الحزم ، كان انقلابيو 21 سبتمبر على وشك السيطرة على كل أراضي الشمال ومعظم مناطق الجنوب، وحيثما غابت المليشيات الانقلابية حضرت داعش والقاعدة فالجماعتان تتكاملان في المهمات والهدف.
انخرط الجنوبيون بصدق وجدية ووفاء في إطار المواجهة مع المشروع الانقلابي الإيراني ولم يترددوا في بذل الغالي والنفيس في سبيل الانتصار لقضيتهم في إطار التحالف العربي.
ولكي لا نُمِنَّ على أشقائنا في التحالف العربي ولا يُمِنُّوا علينا ينبغي الإقرار بأن تحرير مناطق الجنوب من الجماعة الانقلابية وجحافلها الجرارة وفي أقل من مائة يوم، قد جاء نتيجة لتفاعل عاملين مهمين الأول ويتمثل في المقاومة الباسلة التي أبداها الشعب الجنوبي، وحقق ما لم تحققه الجيوش المجربة ذات التاريخ العريق وعالية الإعداد والتعداد والعتاد، والثاني ويتمثل في الدعم المادي والمعنوي واللوجستي والتكنيكي المقدم من الشقيقتين دولتي التحالف (السعودية والإمارت).
وطوال السبع السنوات من عمر عاصفة الحزم، لم يتردد الجنوبيون قيد أنملة من مواصلة الوفاء مع الأشقاء في التحالف العربي، بل لقد ذهبت قوات المقاومة الجنوبية بعيدا في الالتزام بخطة التحالف العربي فدخلت إلى الساحل الغربي وأوشكت على إسقاط مدينة الحديدة الاستراتيجية على البحر الأحمر لولا اتفاق ستوكهولم غريب الأطوار.
وفي هذه المعارك قدمت المقاومة الجنوبية قائمة كبيرة من الشهداء على رأسهم الشهيد أحمد سيف اليافعي نائب رئيس هيئة الأركان ومعه الشهداء عمر الصبيحي ومحمد الشفرة وعشرات الأسماء الكبيرة كما وصلت المقاومة الجنوبية إلى حدود صعدة مع جيزان ونجران وما تزال تساهم بفعالية في الدفاع عن مدينة مأرب الشمالية، بينما يرقد القادة من الأشقاء الشماليين في فنادق الرياض وكأن الأمر لا يعنيهم أو كأنهم مستضافون على وليمة متطاولة مدتها سبع سنوات.
وليعلم الأشقاء في التحالف العربي أن الجنوبيين لم ينخرطوا في الحرب حبًّا في الحرب ولم ولن يقاتلوا نيابة عن الأشقاء الذين أثروا من وراء الحرب وساهموا في إطالة عمرها لتحقيق المزيد من الإثراء، لكنهم (أي الجنوبيين) خاضوا معركتهم من منطلق الانتصار لقضيتهم الجنوبية وفي سبيل التحرر والانعتاق من التبعية البغيضة التي فرضتها عليهم شرعية حرب 1994م ومن ثم استعادة دولتهم التي خطفها غزاة تلك الحرب، ودمروا أسسها واستحوذوا على موارد الجنوب وهمشوا أهله وعبثوا بثرواته وشوهوا هويته وتاريخه ونضالاته.
وليعلم الأشقاء أن المقاتلين الجنوبيين ليسوا بندقية للإيجار وليس لديهم الاستعداد لتحرير المناطق التي يقف أبنائها مع الحوثيين ويقاتلون في صفوفهم ويقتل منهم من يقتل ويصاب منهم من يصاب,
وخلاصة الكلام:
ومن هنا تبدو حكاية تأجيل البت في القضية الجنوبية إلى ما بعد تحرير صنعاء أشبه بقصة الريفيين السُّذَّج الذي فوضوا أحد المحتالين لحكمهم حتى يفتل الذئب، ولم يقتل الذئب.
وفي الأخير
على الأشقاء في التحالف العربي وفي جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة والدول الراعية أن يعلموا بأن الشعب في الجنوب لن ينتظر طويلاً ولربما يجد نفسه مضطرّاً إلى تغيير تكتيكاته ووسائل عمله والانتقال إلى مرحلة جديدة من السير نحو استعادة دولته بمنأى عن رضى الراضيين ورفض الرافضين.
ذلك هو ما يريده الشعب الجنوبي لمن لم يعلم بعد.