من الواضح أن هناك من لم ترق له عودة رئيس الوزراء ومن معه من الوزراء إلى عدن وما بدا من ترحيب بهذه العودة من قبل قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي وما يعلقه عليها المواطنون من آمال في معالجة الأزمات التي افتعلها خاطفو الشرعية بهدف معاقبة الشعب الجنوبي لتمسكه بخياراته الحرة.
ومن هنا يفتعل هؤلاء الأسباب والمبررات المتعددة، محاولين البرهان على عدم قدرة الأجهزة الأمنية في عدن على تأمين وجود الحكومة وقيامها بواجباتها بهدف إعادة إجبارها على النزوح مرة أخرى.
لم تحتفِ قنوات خاطفي الشرعية بشيء مثلما احتفت بالمواجهات المسلحة التي شهدتها مدينة كريتر بعدن، يوم (السبت)، بين بعض المارقين وبين أجهزة الأمن في عدن.
فقد توحدت الجزيرة والمهرية وبلقيس ويمن شباب وغيرها من القنوات والمواقع الإلكترونية والصحف والمحطات الإذاعية، التي يملكها ويمولها هؤلاء (الخاطفون) لتصوير ذلك الحدث على أنه مواجهة بين "مسلحي المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً"، بتعبير هذه القنوات التي تحرص على استظهار العبارة كما يفعل تلاميذ الابتدائية لاستعراض قدراتهم على الحفظ.
لا بد أولاً من التأكيد على أن عدن لم تكن على الدوام إلا واحة تعايش وسلام وتسامح ووئام بين كل قاطنيها والوافدين إليها، لكن من المهم ونحن نتناول هذا الحدث بأن نقرأ الخلفيات والأبعاد التي جاء من أجلها.
وهنا علينا أن نتذكر أن عدن التي دمرت فيها كل مقومات الدولة، بل وكل مقومات الحياة، بعد أن هرب إليها "الشرعيون" في العام 2015م ليستدرجوا غزاة ذلك العام ويهربوا (الشرعيون) مرةً أخرى من عدن، هذه المدينة ما يزال مطلوبا منها أن تستقبل كل يوم عشرات الآلاف من "النازحين" ذوي السيارات الفارهة والقاطنين فنادق النجوم الخمس، ومطلوبا منها أن تقوم بمهام كل الوزراء الهاربين وقيادة الدولة المسترخية في فنادق أرقى المدن.
وحينما تواجه أية عصابة مسلحة تشرع تلك القنوات والوسائل الإعلامية في النواح والعويل على "وحدة الوطن" وعلى "حقوق الإنسان" و"مظلومية أبناء عدن" و"مظلومية أبناء أبين" ومثلهم أبناء شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرة ويافع والضالع والصبيحة، وكذا النواح على الأمن والاستقرار، الذي يتمتع به أصحاب هذه الوسائل في بلدان النزوح الاختياري المرفه.
مخطط إقلاق الأمن في عدن وهو يستهدف إجبار الحكومة على الخروج مرة أخرى من عدن، لا يمكن النظر إليه بمعزل عن القضية الكبرى، قضية نضال الشعب الجنوبي من أجل استعادة حقه القانوني والتاريخي في إدارة بلده، وإصرار الغزاة على استبقاء الجنوب كغنيمة حرب في إطار ثنائيات "الفرع والأصل"، و"الأغلبية والأقلية" و"الأخ الأكبر والأخ الأصغر"، و"الثورة الأم والثورة البنت" فضلاً عن ثنائيات "المنتصر والمهزوم" و"السالب والمسلوب" و"الناهب والمنهوب" التي تستمد (مشروعيتها) من مشروعية حرب الغزو والعدوان البغيضة في العام 1994م قبل أن تستبدل المواقع وتختلط الألقاب ويسطو بعض الغزاة على (حق) البعض الآخر، ويغدو الخاطف شرعياً والمطالب بالماء والخبز والدواء والكهرباء مجرماً وعميلا وانفصالياً.
رحم الله الشهيد الدكتور محمد سالم علي، صاحب التعبير الشهير، فحينما كان بعض الزملاء يشكون صعوبة اللغة البلغارية أو مصاعب المواد الدراسية في السنوات الأولى كان دائما يردد: "عادكم ما شفتوا من الجمل إلا أذنه"، وهو التعبير الشعبي الذي فحواه، أن ما نشهده هذه الأيام من محاولات زرع الفتن واستدعاء الضغائن ونشر بؤر التوتر ليس سوى الجزء الضئيل الظاهر مما يدبر له أعداء الجنوب وقضيته العادلة من مكائد وألاعيب من تلك التي تدربوا عليها عقوداً طويلة من الزمن، وأن الآتي قد يكون أكبر مما قد تجلى.
ما جرى اليوم في كريتر ليس سوى "أذن الجمل" الذي شيئا فشيئا تبدأ ملامحه في التبلور ليطلع أمام الملأ بكامل جسده رغم محاولة صانعيه ومموليه التخفي خلفه لتمرير مآربهم التي أخفقوا في تحقيقها من خلال الحرب المباشرة فلجأوا إلى حرب الخدمات وسياسات التجويع، وهذه الأخرى أخفقوا فيها برغم المعاناة المريرة لضحاياها من الجنوبيين.
ونتيجة لهذه الإخفاقات المتوالية يلجأون إلى ضعفاء النفوس، ويمدونهم بالدعم التسليحي والمالي والإعلامي لتنفيذ ما لم تظهره "أذن الجمل".
لقد سمعنا وسنسمع غدا عن بدائل عديدة سيخترعها أصحاب "أذن الجمل" لتمرير ما يضمرون من أجندات مقيتة، لكن الشعب الجنوبي قد اكتشف الجمل من خلال أذنه، وقد خبر كيف يتعامل مع هؤلاء العابثين الذين يستأسدون ويتنمرون ويبدعون في ابتكار الدسائس والمكائد في وجه الجنوب والجنوبيين، لكنهم يتحولون إلى أرانب وديعة عندما يهجم سيدهم على مديرية أو محافظة فيسلمونه إياها بلا مقاومة وفوقها المعسكرات والآليات والأسلحة المقدمة لهم من الأشقاء في التحالف العربي.
في الوقفة القادمة سنبحث معاً:
من الذي يواجه المشروع الإيراني في اليمن؟؟