عندما أنسحب الأتراك من اليمن عام (1045هجرية -1635م )شبت نار العداوة والبغضاء بين اليمن والجنوب العربي بسبب الغزو الذي تم في عهد الدولة القاسمية للجنوب على يد المتوكل إسماعيل بن القاسم بحجة مناصرة السلطان بدر بن عمر الكثيري الذي عزله أبن أخيه بدر بن عبد الله بن عمر عن السلطنة عام (1058 هجرية-1648م ). وقد تحولت نصرة الإمام المتوكل إسماعيل للسلطان الكثيري إلى غزو شامل لأراضي سلطنات وإمارات الجنوب العربي بكاملها حتى أحكم سيطرته عليها منذ عام 1090 هجرية . وظلت الحرب مستعرة بين أمراء الجنوب العربي والأئمة الزيود لمدة تزيد على مائة عام حتى تمكنوا من طردهم نهائيا عام (1145هجرية - 1728 م ). واستقلت إمارات الجنوب العربي كسابق عهدها عن سلطة اليمن حتى احتلها الإنجليز عام (1839 م). وقد عقد الإمام يحيى حميد الدين اتفاقية صداقة وتعاون مع بريطانيا في 11فبراير عام 1934م تقضي المادة الثالثة منها بأن (يؤجل البحث في مسألة الحدود الجنوبية ) مما يعني تفويت الفرصة على الإمام للمطالبة بها متفرقة ويعد ذلك تنازلا قطعيا عنها وبذلك تم إسقاط المطالبة بها والتي كان يدعيها الأئمة الزيود!!
ورغم ذلك كله فقد استمرت حالة العداء والأطماع التاريخية المتكررة من حكام اليمن للسيطرة على إمارات الجنوب العربي الذي قامت فيها أكثر من 20 سلطنة وإمارة مما أضعفها أمام اليمن وعدم توحدها تحت قيادة وراية واحدة !!
بالإضافة إلى ذلك كله استمرت حالة العداء التاريخي وظلت قائمة بسبب الخلاف في المذهب و الجغرافيا والتاريخ والعادات والتقاليد !!
فسكان اليمن هم سكان الجبال ويعتمدون على الرعي والزراعة وخاصة " القات " كما يجيدون مهنة الارتزاق في الحروب مع أي جهة كانت كمحاربين مستأجرين لمن يدفع لهم المال !!
أما سكان الجنوب في معظمهم يعيشون في السهول والهضاب على زراعة بعض المحاصيل الزراعية أما سكان السواحل يعتمدون على صيد الأسماك والرعي والتجارة أما أهل الجبال فهم محاربون أشداء وكان اغلبهم يعملون في جيش محمية عدن أو الحرس الوطني والقبلي وقد عمل البعض منهم مع الأتراك ونظام حيدر أباد بالهند إبان الاستعمار البريطاني وخاصة قبائل المشرق .
كما شكل الاختلاف في النشاط الاقتصادي اختلافا في الأعراف والثقافة الشعبية
مثل : أعمال النهب والسلب والغدر فهي في عرف قبائل شمال الشمال في اليمن تعتبر رجولة وقوة وغنيمة كقطع الطريق وسلب المسافرين وقتل الأبرياء ونهب ممتلكاتهم وتعد في ثقافتهم عملا مشروعا من حق القوي أن يفرض هيمنته على من هو اضعف منه !!
بينما مثل تلك الأمور في الجنوب تعد سرقة وعملا خسيسا ودناءة وعيبا وغدرا يستنكره أهل الجنوب العربي !!
والخلاف بين الزيدية والشافعية هو أن الأولى تدعي أن السلطة يجب أن تكون محصورة في "آل البيت " بينما الشافعية يرون أن من حق جماعة المسلمين مبايعة الحاكم الذي تتوفر فيه الكفاءة وليس شرطا أن يكون من آل البيت !!
أما الزيدية فقد اضطهدوا السنة والشوافع خاصة في اليمن الأسفل وتهامة وكفروهم واستباحوا أرضهم وفرضوا عليهم الخراج منذ عام (1045هـ ) كما فرض الأئمة الزيود عبارة : " حي على خير العمل " في الآذان !!
وهناك اختلاف في القيم والعادات والتقاليد بين الزيود والشوافع الذين هم أكثر انفتاحا على علوم العصر وأفكاره أما الزيود فيتبعون عقيدة "التقية الشيعية" أفرادا ودولة والتي تقضي باختلاف الظاهر والباطن ويرفضون التغيير ولديهم هواجس الريبة والشكوك تجاه الآخرين وقد ذكر السيد مصطفى سالم في كتابه " الفتح العثماني الأول " ما يلي : " القبيلي يتصف بشدة حذره من كل ما هو أجنبي عن قبيلته وتعصبه لجماعته وتعلقه بعادات قبيلته وبتقاليدها وبخضوعه لرئيس قبيلته خضوعا شديدا .. أن الجبلي عرف بالنحافة وكثرة الحركة وشدة الحيوية كما اتصف بالذكاء والحذر من الغرباء والشك فيهم "
كما أن هناك خلافات في المزاج العام ففي مناطق شمال الشمال من اليمن هناك الغلظة وحدة المزاج بينما الوداعة والمسالمة واللين والامتثال للنظام والقانون لدى سكان الجنوب !!
كما أن هناك خلافات جوهرية في التعامل مع القبائل لحل المشاكل القبلية والإصلاح بين الخصوم وتخفيف الأحكام وإشاعة روح التسامح والسلام ونبذ الأحقاد والثارات كما يوجد اختلاف في مفردات اللهجة الشعبية واللباس الوطني بين أهل الشمال والجنوب العربي وكذلك توجد فوارق شاسعة بينهما في التعامل و الاختلاط بالمهاجرين والمواطنين من سكان السعودية و دول الخليج العربي حيث يمتثل أبناء الجنوب للأنظمة والعادات والتقاليد السائدة في تلك الدول الشقيقة ويتعايشون مع نسيجها الاجتماعي من خلال اكتساب احترام أهلها وودهم ويحرصون على السمعة الطيبة والأمانة في المعاملة وإشاعة روح الإخاء والمحبة بينما الشماليون لا يأبهون لبناء علاقات اجتماعية مع غيرهم إلا إذا لهم مصالح خاصة !!
ولهم بعض الممارسات التي تقلل من احترامهم كالشحاذة في المساجد وأعمال التهريب والتسلل عبر الحدود وأعمال السطو والسرقة والجرائم الجنائية و الأخلاقية التي تودي بهم إلى السجون !!
أما الجنوبيون فأنهم يأنفون من ممارسة تلك الأعمال المشينة التي تدمر السمعة وتحط من كرامة الإنسان ومكانته الاجتماعية .
والى اللقاء في الحلقة الثالثة الأخيرة .
د.علوي عمر بن فريد .