ستظل سقطرة الجزيرة والمحافظة ولفترة قد تطول في واجهة الأحداث والأحاديث، فلديها الكثير من المزايا التي تجعلها محل انتباه المؤرخين والسياسيين والإعلاميين وعلماء الأركيولوجيا والأنثروبولوجيا والتنوع الحيوي، وهو أمرٌ طبيعي ومفهوم عند ما يتعلق الأمر بأرضٍ بكر في طبيعتها وبشرها وطباعهم وتضاريسها ومناخها وحتى في تميزها الجيوغرافي والبيولوجي، بيد أن الضجة التي أثيرت حول سقطرة في الإسبوع الأخير لا علاقة لها بكل ذلك، بل إن كل عواملها تكمن في استعادة أبناء الجزيرة لأرضهم بعد ستة وعشرين عاماً من خضوعها لشرعية "المفسدة الصغرى والمفسدة الكبرى".
لن أخوض في تفاصيل المشهد ومفردات التهجم على أبناء سوقطرة واتهامهم بالعمالة والارتزاق (وهذا كلام ورد على لسان محافظ سقطرة (المختفي) في حديث متلفز ما يزال على اليوتيوب) ولا في ثنائة (الانقلاب ـ الشرعية) فكل تلك الهذيانات هي تعبير عن حشرجات المختنق الذي لا يدري ماذا يقول، ويخضع لسانه لأعصابه المنفلته والهائجة الخارجة عن السيطرة على طريقة ذلك البرلماني الذي سمى البرلمان اليمني (طويل العمر) بـ(كتلة الإمارات البرلمانية).
لن أتوقف عند كل هذا لكنني سأناقش مفهوم ثنائية (تحرير ـ سقوط) سقطرة، حيث يستخدم كل طرف المفردة التي تعبر عن نظرته لما جرى في الجزيرة الاسبوع الماضي.
كل من يؤمن بعدالة القضية الجنوبية ومشروعيتها وحق أبناء الجنوب في تقرير مصيرهم واختيار طريق مستقبلهم المستقل بعيداً عن الوصاية والتبعية والهيمة، لا يمكن أن يفهم ما جرى في سوقطرة إلا على إنه تحرر من تبعية واحتلال داما أكثر من ربع قرن، وهو جزء من معركة الجنوبيين التي بدأت منذ 8/7/1994م وهو لا ينفصل عن مسيرة النضال السلمي الجنوبي الذي دشنه الجنوبيون في العام 2007م وتوجوه بتحرير أرضهم من جحافل الغزوين الأول والثاني في 2015م، وكل هؤلاء من الجنوبيين والشماليين يعتبرون ما حصل الإسبوع الماضي في سوقطرة هو تحرير وهو جزء من مسيرة تحرير الجنوب التي بدأت سلميةً ولم تنتقل إلى العمل المسلح إلا مع الغزو الثاني.
لكن الذين اجتاحوا الجنوب في 1994م وحولوه إلى حالة من حالات الاستعمار (بتعبير نائب رئيس الجمهورية اليمنية الجنرال علي محسن الأحمر) يعتبرون التحرر من هيمنتهم ووصايتهم على الجنوب ومنه جزيرة سوقطرة مؤامرة وسقوط في أيدي (الخونة والمرتزقة) حتى لو كان هؤلاء الخونة والمرتزقة هم الغالبية الساحقة من أهل سوقطرة ومن الشعب الجنوبي بطبيعة الحال.
في حديثه إلى إحدى قنوات المشروع التركي قال محافظ سوقطرة (المختفي) أن الهجوم على سوقطرة جاء بتواطؤ سعودي إماراتي، وتم الهجوم "علينا ونحن عُزَّل من السلاح ليس لدى قواتنا إلا أسلحتهم الشخصية " وكرر مرارا الإشارة إلى "تآمر" و"تواطؤ" و"مؤامرة واضحة من الشرعية والتحالف العر بي"، و"سكوت" و"توطؤ قوات الواجب السعودية"، وهو ما يؤكد إن الإخوة في المحور التركي يتوقعون من الأشقاء في دول التحالف أنهم سيواجهون لهم الشعب نيابة عنهم ويرغمونه على الخضوع لهم.
قصة "تواطؤ قوات الواجب السعودية"، و"مؤامرة الشرعية وقوات التحالف العربي" تأتي في إطار الترويج للمشروع التركي (الخفي ـ المعلن) الذي تتسارع الدعوة له هذه الأيام على نطاق واسع من قبل المراكز الإعلامية والأوساط السياسية اليمنية الموالية للتوسع التركي والمستنجدة بالتدخل التركي، وما تقوم به من عمل لم يعد خافياً على كل ذي عينين، وهو المشروع الذي نبهنا إليه مراراً وحذرنا من أنه يشكل تكاملا مع المشروع الفارسي في المنطقة.
تكرار محافظ سقطرة (المختفي) للتواطؤ والمؤامرة (من قبل التحالف والشرعية) يبين حقيقتين ينبغي إدراكهما:
الأولى: أن ما جرى في سقطرة منذ أيام هو ضربة قاضية للمشروع التركي وأنصاره في الشرعية اليمنية الذين يتلقون الدعم من الأشقاء في التحالف العربي فيبعثونه إلى اسطنبول ليسخروه للتهجم على دول التحالف والترويج للمشروع المعادي للتحالف العربي.
الثانية: أن المحافظ، الذي تقدمه القنوات التركية مسبوقاً بصفة (المناضل الرفيع)، قد حدد طريقه ففي حين توقع كثيرون، ونحن منهم، أنه سيتوجه إلى الرياض لمقابلة (الرئيس الشرعي هادي) ليشرح له أبعاد وخلفيات وأسباب ما جرى فقد خذل الجميع واستبدله بالتهجم على التحالف العربي والشرعية وحدد بالاسم المملكة العربية السعودية، ما يعني أن الطريق إلى اسطنبول هو الخط الوحيد الذي اختاره الرجل، ليؤكد ما ذهبنا إليه أن الهزيمة في سقطرة لم تكن للشرعية ولكن للمشروع التركي، وأن سقطرة لم تسقط وإن الذي سقط هو مشروع تركيا وأنصارها داخل الشرعية اليمنية، ومن باب أولى في الجنوب.
فهل سيتنبه الأشقاء في دول التحالف العربي مع من يتواجهون، ومن يتسبب في إحباط معركتهم المشتركة مع اليمنيين ضد المشروع الإيراني؟؟
ذلك ما ىستكشقه قادمات الإيام.
ولله الأمر من قبل وزمن بعد