عبد الله أنس يكشف لـ «الشرق الأوسط» كيف استثمر التنظيم موجة الغضب التي تجتاح العالم الإسلامي ضد أميركا وفشل في إدارتها
عبد الله أنس
لندن: محمد الشافعي
قال خبير الجماعات الإسلامية الإسلامي الجزائري عبد الله أنس، صهر عبد الله عزام «الأب الروحي للأفغان العرب» وأحد أوائل «المجاهدين العرب» وأميرهم في شمال أفغانستان، إن «القاعدة» بسبب هجماتها على المدنيين الأبرياء في الرياض ولندن ومدريد والدار البيضاء وغيرها أفرغت غضب المسلمين من غضب مشروع إلى مدان بين أمم العالم، بل إنها صرفت هذا الغضب في أمور عادت عليها بالضرر.
وقال عبد الله أنس، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»، إن «القاعدة» خسرت معركة كسب القلوب في مناطق الصراعات والفتن بتوسع فقهائها في استخدام مبدأ التترس مبررا لوقوع خسائر في صفوف المدنيين، خصوصا المسلمين، في العمليات الانتحارية والتفجيرات التي تدفع بعناصرها لتنفيذها. وقال «بوجمعة»، كما كان يعرف في سنوات الجهاد الأفغاني ملازما للشهيد أحمد شاه مسعود الذي اغتالته «القاعدة» قبل يومين من هجمات سبتمبر (أيلول) عام 2001، إن فظاعة الخسائر وسط المدنيين المسلمين بسقوط عدد كبير من الأبرياء حدت بغالبية السكان في مناطق النزاعات إلى الشعور بالغضب حيال دموية التنظيم.
ويوم الثاني عشر من مايو (أيار) 2013 تحل الذكرى العاشرة لتفجيرات الرياض التي استهدفت 3 مجمعات سكنية يسكنها غربيون ومسلمون، وكانت بداية لأحداث إرهابية استمرت عدة سنوات، تغيرت خلالها أمور كثيرة على عدة أصعدة ومستويات جراء موجة الإرهاب.. تلك الليلة التي لا يمكن أن تنسى، ولقي خلالها 34 شخصا حتفهم جراء تفجيرات 12 مايو الشهيرة، التي خلفت 149 جريحا. وأعلنت السعودية مسؤولية 16 منفذا عن تلك الهجمات، أفصحت عن أسماء 14 منهم، وكان الاتصال المشفر الذي تلقاه تركي الدندني، الذي لقي حتفه في 3 يوليو (تموز) 2003، بمثابة إعلان البدء في تنفيذ مخططات تنظيم القاعدة على الأراضي السعودية، والتي تشير المعلومات التي تم تأكيدها للصحيفة إلى أنها سبقت وقتها المفترض بنحو شهرين.
وقال عبد الله أنس، اللاجئ السياسي في بريطانيا، في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط»: «كل الناس من المشرق إلى المغرب العربي يكرهون الانحياز الأميركي إلى إسرائيل، وكل من في قلبه ذرة إيمان ويرى أو يسمع أن كتاب الله يحرق هنا وهناك، وكل من في قلبه ذرة إيمان يرى حبيبه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه يصور أو يرسم في كاريكاتير مسيء، أو يرى ما يحدث للمستضعفين من الرجال والنساء والولدان في سوريا على يد بشار الأسد وشبيحته، ولا يغضب لذلك، فليراجع إنسانيته وإيمانه. لكن (القاعدة) فشلت فشلا ذريعا في إدارة هذه الغضب بتفجير مجمعات السكان المدنيين في الحمراء والمحيا بالعاصمة السعودية، وقتل الأبرياء في هجمات لندن ومدريد وباقي مدن العالم».
ويضيف أنس: «(القاعدة) انتهجت منهج نشر الغضب كاستراتيجية، وتركت إدارة الغضب للمتلقي من الشباب بتوجيه ضربات للأهداف الرخوة، يديرها كيفما يشاء، وكان في هذا مقتلها، لأن (القاعدة) باتت مشلولة عن متابعة التفاصيل على الأرض، لأن المرجعية تتمثل في قيادات التنظيم المختبئين تحت الأرض هنا وهناك، بل إن الكثير من قدرات تنظيم القاعدة العملياتية قد أنيبت لوكلائها وشركائها في العراق واليمن والمغرب والصومال حتى نيجيريا إضافة إلى أفغانستان». وكان مركز مكافحة الإرهاب التابع للأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت ذكر في إحصاء، نشر في عام 2009، أن 15 في المائة فقط من الوفيات الناجمة عن عنف «القاعدة» هم مواطنون غربيون، فيما ينتمي 85 في المائة من الضحايا إلى بلدان العالم الإسلامي، فيما أوردت الأمم المتحدة في إحصاء للضحايا المدنيين على أيدي كل من قوات منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) ومقاتلي حركة طالبان في أفغانستان أن طالبان وقوات التحالف تتحملان معا مسؤولية 76 في المائة من القتلى في صفوف المدنيين.
وانتقد أنس محاولة تشبيه ما جرى في العراق بمشاركة العرب في سنوات الجهاد ضد الروس في أفغانستان، لأن المقاتلين العرب عندما ذهبوا إلى بيشاور ومنها إلى الجبهات داخل أفغانستان، جلال آباد التي قاتل فيها بن لادن، وبانشير التي كانت في عهدة أسدها أحمد شاه مسعود، كانوا يحاربون تحت راية وإشراف القادة الأفغان مثل المهندس أحمد شاه مسعود، وحكمتيار، والبروفسور برهان الدين رباني عبد الرسول سياف، والمهندس حبيب الرحمن، وغيرهم. ولعبد الله أنس اللاجئ السياسي في بريطانيا منذ أكثر من عشر سنوات كتاب من 152 صفحة اسمه «ولادة الأفغان العرب»، يروي قصة التحاقه بالجهاد في بداية الثمانينات، وتعرفه إلى الشيخ الفلسطيني عبد الله عزام، الأب الروحي للعرب الأفغان، ثم انتقاله إلى داخل أفغانستان والتحاقه بأحمد شاه مسعود، أسد بانشير وتحوله إلى يد يمنى له.
على الجانب الآخر، قال عبد الله أنس «إن شعار العداء للسياسة الأميركية الذي ترفعه (القاعدة) يجد تجاوبا واسعا بين المسلمين، ليس استجابة لـ(القاعدة)، ولكن كرها لسياسة أميركا في فلسطين والعراق وأفغانستان». لكنه أضاف «هذا لا يعني أن (القاعدة) تحمل مشروعا سياسيا، يمكن أن يجلب الاستقرار أو يلقى القبول في المنطقة، بسبب رؤيتها للتغيير على المستويين المحلي والدولي، فهي على المستوى المحلي تؤمن بنظرة طالبان في شكل النظام السياسي، حيث تتم البيعة الأبدية لرجل واحد وبصلاحيات مطلقة، ولا يجوز معارضته كما فعلوا مع المعارضة الأفغانية، رغم أنها لم تكن معارضة ترفض الحكم بالشريعة، ومع ذلك لم تنج من القتل كما حدث لأحمد شاه مسعود، أو التهجير كما حدث لرباني وحكمتيار، وهذا مخالف لما كان عليه نظام الحكم على عهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، بفتح باب المعارضة أمام الرعية، فلم يسجن علي رضي الله عنه لرفضه البيعة أكثر من 6 شهور، ولم ينف عمر رضي الله عنه لمعارضته الشديدة لقرار حروب الردة حتى اطمأن قلبه لها».
ويضيف انس «لست أدري كيف ستفرض (القاعدة) نموذجها في المنطقة العربية، وهي تعج بالشرائح السياسية على اختلاف توجهاتها من يساريين وعلمانيين وقوميين وليبراليين». وأوضح أنس، الإسلامي الجزائري الذي اشترك في القتال بأفغانستان، أن رحلته مع الجهاد بدأت في عام 1984، عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره، ويعيش مع أسرته غرب الجزائر، فخلال زيارته لمكتبة محلية قرأ في مجلة أسبوعية موضوعا عن فتوى دينية تقول إن الجهاد في أفغانستان ضد الغزاة السوفيات فرض عين على كل مسلم. ثم يتذكر قائلا «بعد أيام قليلة بلغت هذه الفتوى مسامع الجميع وبدأوا يتحدثون عنها، ثم يتساءلون: أين تقع أفغانستان؟ وأي شعب يعيش هناك؟ وكيف يمكننا الذهاب إلى هناك؟ وكم تبلغ تكاليف تذكرة السفر؟ وخلال ذلك العام كان أنس ضمن ملايين المسلمين الذين أدوا فريضة الحج»..
وتطرق خبير الحركات الإسلامية أنس إلى ثورات الربيع العربي بقوله: «لم يكن لـ(القاعدة) أي دور في التغييرات التاريخية التي شهدها العالم العربي في السنة الأخيرة»، مضيفا «ستزداد البيئة السياسية صعوبة بالنسبة لـ(القاعدة) في المستقبل، وسيجاهد التنظيم في سبيل الاحتفاظ بمبررات وجوده في بيئة سياسية متجددة الطاقة وأكثر تنافسية مما كانت عليه وغير متقبلة لفكر التنظيم مقارنة بما كانت عليه منذ سنوات خلت». وأوضح أن «الخطاب الاحتجاجي المشترك الذي اجتاح المنطقة هو خطاب لم تلعب (القاعدة) دورا في صياغته، بل إنها ليست جزءا منه بالمرة، كما تبين جليا للمسلمين، وهذا يعتبر نجاحا للدعاية الأميركية، أن معظم الذين يقضون في العمليات التي ينفذها تنظيم القاعدة مسلمون، إضافة لذلك ستتكفل الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجارية في المنطقة بتقويض رسالة (القاعدة) التي تؤمن فقط بحمل السلاح». وأضاف «بن لادن الذي كان لا يرى أن المقاومة المسلحة هي الطريق الوحيد للإصلاح السياسي والاجتماعي تراجع عن ذلك المنهج، وبات داعما لأساليب الثورات العربية، كما جاء في رسائله التي عثر عليها في البيت الذي كان يقيم فيه في أبوت آباد في ما بات يعرف اليوم برسائل بن لادن، وهي موجودة على الإنترنت لمن يريد الاطلاع عليها، ولكن شعوب مصر وتونس واليمن وليبيا أثبتوا وجود بديل آخر، ففي هذه الدول وغيرها تسعى مجاميع كانت مهمشة لفترات طويلة إلى بناء مجتمعات مدنية وهياكل سياسية بدل تفجيرها كما كان يدعو إليه بن لادن».