من المعروف إن العقل السياسي اليمني ، لم يحقق أي إنجاز ، ابتدأ بالرئيس عبدالله السلال ، وانتهاء بالرئيس عبدربه منصور هادي ، شمالا وجنوبا ، من حيث تحقيق الاستقلال الوطني ، او الديمقراطية والتداول السلمي لسلطه ، او التقدم والرقي .
وكان الشعب اليمني ، ضحية قادة ونخب ، لا تفقه السياسة في أبسط تعريفاتها ، والذي هو فن الممكن ، كل المراحل التي مرت ، تشير إلى أن اليمنيين لا يفقهون السياسة ، وانما كان هناك دائما ، حكّام وليس حكومات ، حيث لم يشعروا هؤلاء الحكام ، بأدنى حاجة ، إلى أن يراقبوا أنفسهم ، بقدر ما كانوا يراقبوا شعبهم ، والذي هو بالنسبة لهم العدو الذي يجب ترويضه . فالحاكم يظهر إنه يدافع عن مصالح الشعب ، عن طريق قمعه لترويضه ، وهو في ذلك إنما يمارس نوعا من الإرشاد والتوعية ، والتثقيف المجاني ، من أجل أن تكون صورة الوطن أكثر وضوحا ، ويكون الشعب أكثر ترويضا ، كان خطاب الحاكم يبدأ دائما ، بعبارة يا جماهير شعبنا اليمني العظيم ، فيما كان المطلوب ، من ذلك الشعب اليمني العظيم ، أن يمضي قُدما في نومه في يمنه السعيد ، مستسلما بسعادة ، لإرادة الحاكم التي يجب أن تكون تعبيرا عن إرادته ، إنها معادلة الحاكم والمدعي ، عندما يكون هو الشخص نفسه ، فيما المدعى عليه هو الشعب ، ليستمر في أداء دوره ، باعتباره متهما وشاهدا أخرس ، في آن واحد .
كانت تلك الخطابات الطويلة جدا ، والمملة والمكررة والمنزوعة الدسم ، مجرد هذيانات شخصية ، يختلط من خلالها الغرور الشخصي ، بالكبرياء المريضة ، فكانت النتيجة أن لا يُقال أي شيء نافع ، لقد استسلم الشعب ، لبلاغة التجريد ، وذلك لأن سلطة الوهم ، صارت أقوى من سلطة الواقع ، لم تعد الحياة المباشرة مهمة ، كانت هناك مشاريع لحياة مقبلة ، هي أهم من الحياة الحالية ، تلك فكرة دينية ، استفاد منها الحاكم ، وكرسها نهجا له .
لذلك يمكن القول إن الإنسان اليمني يعيش حياة ، هي ليست تلك الحياة التي يستحقها ، أو تليق بآدميته ، إنها الحياة التي اختارها له الحاكم ، وهو اختيار لم يتم لأسباب سياسية ، بل لمصالح ، يستطيع من خلالها الحاكم ، أن يستمر في عبثه ولهوه ، على حساب المبادئ والحقائق الأساسية ، التي يتم تدميرها بشكل ممنهج .
إن غياب السياسة ، كان له أثر مدمر ، على مختلف نواحي الحياة في اليمن ، لقد تم تعطيل العقل السياسي ، لتحلّ محله عاطفة هوجاء ، لا تنطوي إلا على شعارات ، تدعو إلى الضحك ، ومن ثم تستدعي البكاء ، فالنتائج ليست سارة ، وذلك لأن اليمن يعيش حالة انهيار ليست نهايتها مرئية في الأفق ، لقد انتهى صانعو الكذبة ، غير أن الكذبة ، لا تزال تغري جموعا من اليمنيين ، من أجل تصديقها .
فبالنسبة لليمنين ، فإن السياسة ليست فن الممكن ، بل هي فن المستحيل ، ذلك ما يجعلهم يخسرون ، خسارة تلو الأخرى ، وهم يظنون ، أنهم ماضون إلى تحقيق الهدف ، وهو يبتعد كلما كانوا يظنوا أنهم اقتربوا منه كالسراب .