عبد أجدادنا الحضارمة العظام القمر، واتخذوه لهم إلهًا معظمًا، وأطلقوا عليه اسم سين وشهر، وما زال الاسم الأخير متداولا في لسان الخلف، وهو اسم عربي فصيح، ورد في كتاب الله في قوله تعالى: ((فمن شهد منكم الشهر فليصمه))، أي فمن رأى منكم الهلال، أما الاسم الأول فاقتبسه أجدادنا عن البابليين، ويرى البعض أن هؤلاء أصولهم من حضرموت، فآثاره بقيت في مخاطبتهم للطفل الوليد بقولهم: (يا سين عليك) التي تقابلها في العامية المصرية (اسم الله عليك)، حيث تقول الأسطورة البابلية أن القمر يساعد المرأة في مخاضها ووضعها، وتقول أسطورة أخرى أن من يولد في ليلة قمراء يأتي مختونًا.
وفي مقابل تعظيم القمر أو تأليهه عظم أسلافنا حيوان الوعل، لأجل قرنيه الشبيهتين في انحنائهما بالهلال، فصار شبيه الإله، واتخذوا من قرنيه حرزًا يصونون بها منازلهم التي يزينونها ببياض القمر، فيرشونها بمادة جبسية أطلقوا عليها النورة إشارة منهم إلى نور القمر، ولفظة (الوعل) ذاتها معناها الإله؛ لأنها محولة عن لفظ (إيل)، ومنه اسم شراحيل الذي أصله (شرح إيل) ومعناه تلألؤ الإله، وبقي لفظ إيل اسمًا للوعل، وتحورت الهمزة إلى الواو كما في كلمة (أين/ وين)، واللهجة حولت مدة الياء ألفًا كما في قولهم (بسيط/ بساط)، والتفخيم حول الألف عينًا لتقارب المخرج.
وكما عظم الحضارمة السلف آلهتهم خلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، فذبحوا عظماءهم كما صرح بذلك أحدهم حين قال: لقد ذبحوني، وها هم اليوم يذبحون آلهتهم، بل ما تبقى منها في الجيلان والسيطان بالصيد العشوائي، الناتج عن عقلية عشوائية جارفة تهيمن اليوم على المشهد الاجتماعي والسياسي في حضرموت، وستنتهي بنا إلى قتل أنفسنا بعد ذبح عجولنا لخفة عقولنا... وما زال الذبح مستمرًا.
*- د. أحمد باحارثة