لم يطالب أبناء الجنوب بعودة دولتهم وفك الارتباط مع شريك الوحدة عبثًا، ويوم بعد آخر تزداد قناعة السواد الأعظم من الشعب الجنوبي بضرورة تحقيق هذا المطلب، ولم يعد لديهم قناعة بأي حلولٍ أخرى..
وقدّم الجنوبيون تضحيات جسيمة في سبيل تحقيق الخلاص من مأزق الوحدة، ولم يقبلوا بالواقع الذي فُرِض عليهم ظلمًا وعدوانًا بعد فشل مشروع الوحدة الطوعية عقب ولادته وتحوّل الحلم الجميل إلى كابوس ما زال الشعب يتجرّع ويلاته ويدفع ثمنه باهظًا إلى اليوم..
لكن المؤسف أن قلة قليلة من النخب السياسيّة في الشمال تتحدّث بعقلانية وإنصاف تجاه الجنوب ومطالب أهله، أما البقية ما زالت الغطرسة والتزييف والتحريض مهيمنة على خطابهم، ومازلت القوى والأحزاب السياسيّة المتنفذة وصناع القرار في الشمال يظنون أن الجنوب سيبقى غنيمة حرب مفتوحة لهم ولعصاباتهم، ومعهم بعض الجنوبيين الذين رضوا أن يكونوا رأس حربة في صدور إخوانهم.
فكم هي الفرص التي اتيحت لأولئك الذين يدّعون الوطنيّة لإثبات مصداقيتهم لتضميد الجراح بعيدًا عن مشاريع التسويق الإعلامي وبيع الوهم، ولكنهم في كل مرة لا يثبوت إلّا أنهم غزاة وأعداء للحق الجنوبي، فقط تتغيّر أقنعتهم ومبرراتهم لبقاء احتلالهم وأدواته، ولا يهمهم وطن ولا مواطن سوى حماية مصالحهم وأطماعهم ولو على أشلاء وجماهم الأبرياء !!
وهاهم اليوم وبعد كل الدمار والخراب يستمرون بنفس الخطاب وبنفس الأساليب والأكاذيب والتضليل، وكان الأجدى بهم الاستفادة من تجارب الماضي ومراجعة الأخطاء التي ارتكبوها واقترفتها أيديهم في حق الشعب حتى يغفر لهم أو يبقي في تاريخهم موقفا يستحق الاحترام، ولكنهم يواصلون إصرارهم على فرض هيمنتهم و(خياراتهم) على الجنوبيين وهم يعلمون جيّدًا أن مشاريعهم مرفوضة جملة وتفصيلًا، ويعلمون أيضًا إنها هي سبب مأساة الشعب ومعاناته شمالًا وجنوبًا ؟!
فما وصل إليه الحال اليوم من أوضاع مأساوية وحروب ودماء تراق كل يوم؛ لم تكن إلا بسبب الاستقواء والقفز على الواقع وتجاهل الأسباب الحقيقية التي أنتجت الأزمات..
وبسبب ما زرعته سياساتهم القاتلة وأجندتهم الأنانية المدمرة؛ توَلّدْت الاحقاد والكراهية في المجتمع، فصار الناس يكرهون بعضهم بعضًا، وصار كل فردٍ ينظر إلى الآخر على أنه عدو، وقد تجد الشقاق والعداوة بين الأقرباء وحتى على مستوى الأسرة الواحدة..!!
كل ذلك يحدّث وأدّعياء الوطنيّة يتحدّثون وكأننا نعيش واقعًا مثاليًا في ظل "الوحدة اليمنيّة"، بينما الوحدة المثالية التي حلم بها الشعب ليست موجودة ولا حتى بأقل مما كان يحلم أن تكون عليه.
فلو كانت تلك القوى لديها مثقال ذرة من الوطنيّة وحريصة على المواطن أو تكترث لمعاناته لما استمرت بنفس السياسة، ولا انتهجت نفس السلوك وهي تدّرك أن تُعمّد تكرار الأخطاء بحجة الحافظ على الوحدة لن تكون نتيجته إلا باستمرار نزيف المزيد من الدماء وخراب البيوت..
فعن أي وحدة تتحدّثون، وعن أي وطن تدافعون وأنتم من دمّر كيانه، وأجهظت أطماعكم وأنانيتكم أحلام شعبه؟!
فالوحدة الحقيقية هي التي تحقق مبادئ العدل والمساواة، وترسي قواعد السلام والمحبة والتعايش بين الشعوب والمجتمعات وهو ما نفتقده نحن في ظل وحدتكم المزعومة، فإن كان لديكم مصداقية وحب للوطن كما تدّعون فأنه لم يعد أمامكم اليوم إلّا الاعتراف بالواقع والسعي الجاد لتحقيق مطلب فك الارتباط وعودة الدولتين ؛ (حفاظًا) على النسيج الاجتماعي الذي (مزّقته) الوحدة !!
هذا حصاد ما زرعتم .. !!
*- بقلم : إبراهيم حيـدرة