إذا كانت عدن وحضرموت هما كفتا ميزان الجنوب، فإن يافع هي شوكته وواسطة عقده، وهي سنامه الذي منه زاده وعتاده، فما من ويلات تحل بهذا الجنوب إلا ولها يافع ليس لها منازع، ومن أكبر هذه الويلات وأعظمها أطماع الجارة الجائرة بأمراء حربها، فما يكاد هؤلاء يقر لهم قرار في عدن أو في حضرموت حتى تنهال عليهم جموع من يافع تنكس أعلامهم وتحطم أحلامهم، فيلوذون بجبالهم وقد خابت آمالهم أمام الجندي اليافعي ومن يؤازره من إخوانه في الجنوب.
وإذ تعارف الناس بأن خير الأمور أوساطها فإن هذا المثل ينطبق على يافع التي تقع في وسط الخارطة الجنوبية، وفي قلب الجسم الجنوبي، ولأن صلاح الجسد بصلاح قلبه، فإن الجنوب يصلح بصلاح يافع، ويعز بعزها، وكما يغذي القلب جميع الجسد بشريان الحياة، فإن يافع تنتشر فروع قبائلها في كل بقعة من بقاع الساحة الجنوبية، وقد أكسبها ذلك التوسط وهذا الانتشار التمتع بكل مزايا ساكني الجنوب، فإذا كانت مناطق شرق يافع كحضرموت قد غلبت عليها النواحي العلمية والتجارية، وإذا كانت مناطق غرب يافع كالضالع غلبت عليها قوة الشكيمة وشدة العزيمة، فإن يافع قد جمعت بين الحسنيين؛ فإذا برجالاتها تجمع بين العلم والتجارة، والقوة والجدارة، بصورة تدل على عظمتها التي شهدت لها كتب التاريخ وأسفاره.
وقد أهلت تلك المزية يافع لتكون بحق بطلة التحرير، ولتكون ولادة لرجال دولة عظماء، ولهذا فإن أعظم دولتين نهضتا في الجنوب بطرفيه الغربي والشرقي هما دولتان يافعيتان، ونعني بهما السلطنة العبدلية في لحج، والسلطنة القعيطية في حضرموت، وهل يماري في ذلك أحد، ولهذا ذل الجنوب واهتان عند سقوط هاتين الدولتين اللتين كانتا تمثلان ركنيه في غفلة من الزمان، في نكسة أيلول قبل نحو نصف قرن؛ لكي يسهل تسليمه مجددًا لأطماع الجارة الجائرة، وهو ما حدث في نكبة أيار بعد ربع قرن من النكسة.
ولعله اليوم يعود الوضع في الجنوب إلى مجراه، وتقوم يافع بدورها التاريخي المعهود، وقد رأيناها تحاول الانطلاق من المكلا بحضرموت، لكن جرى إسكات صوتها هنا ليحل محله مخلوقات طفيلية قبيحة من شرق حضرموت، لكنها الآن تحاول الانطلاق من عدن بعد أن أعلنت النفير، واستجاب لها الجمع الغفير؛ طلبًا للخلاص والتحرير، والرجاء في الله ونصره، والله غالب على أمره.
*- بقلم : د. أحمد باحارثة