ثمة غربائية في موقف الحكومة الشرعية اليمنية لا يمكن للمراقب تفسيره، إلا بأنه انكفاء عن المشروع الأساسي في القضاء على العدو الأول، والتلهي بصراع جانبي، ما كان ليندلع لو أنها أدت دورها الحقيقي، وهو التصدي للمشروع الإيراني التوسعي عبر الخاصرة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، من خلال عصابة الحوثي التي لم تستطع تلك الشرعية التصدي لها رغم ما توافر من دعم عسكري وسياسي كبير لها، واعتراف المجتمع الدولي أنها الممثل الشرعي الوحيد لليمنيين.
من نافلة القول لولا التحالف العربي لكان الحرس الثوري الإيراني اليوم في بطحاء الرياض، والمنطقة الشرقية، والبحرين والإمارات والكويت، ولكان اليمنيون يرزحون تحت احتلال بشع، لا طاقة لهم على دحره، لهذا فإن التحالف الذي لا يزال يؤدي مهمته، لم يتراجع يوماً عن دعم الجيش الوطني والمقاومة، واستطاع دحر الحوثيين من غالبية المناطق، وحصرهم في بقع جغرافية محددة، إلا أن هذا كان يحتاج إلى رافعة يمنية تؤدي دورها على الأرض، ولا تتلطى خلف شعارات وتكتفي بما يقدمه التحالف.
لا شك أن الوضع اليمني معقد جدا، والرغبة في الطلاق بين الجنوب والشمال لم تعد مجرد نزوة، إنما هي حقيقة واقعة لا يمكن للجنوبيين، وفقا لما يصدر منهم، التخلي عنها، لاسيما عندما وجدوا أنفسهم من دون أي غطاء من الشرعية التي بدلاً من جمع الأطراف المناوئة للحوثي، سارعت إلى التحالف مع “حزب الإصلاح الإخواني”، الذي كان، ولا يزال مجرد حصان طروادة تمر من خلاله جماعات الإرهاب كافة، بدءاً من “القاعدة” و”داعش”، وصولاً إلى الحوثيين وجماعة الانقلاب، لأن هدفه الأساسي الإبقاء على خلط الأوراق حتى الوصول إلى إحياء المشروع “الاخواني”، حتى لو كان ذلك بالتحالف مع الحوثيين.
في كل هذا عملت الحكومة اليمنية بالمثل الشعبي الكويتي” أبوي ما يقدر إلا على أمي”، فهي تتغنى حاليا بتنظيف المدن من قوات المجلس الانتقالي، علما أنها قوات شعبية جنوبية، فيما طوال السنوات الخمس الماضية لم نسمع منها أي تصريح عن دحر الحوثيين، أو تنظيف مدينة منهم، بينما، وكما أسلفنا كانت عملية الدحر تتم على أيدي قوات التحالف العربي، التي بذلت دماء وشهداء في سبيل ذلك.
بات من الضروري أن تعيد الشرعية حساباتها بدلاً من التعنت، والتبجح بأنها لن تفاوض الجنوبيين، إنما ستفاوض دولة الإمارات العربية المتحدة، وما علاقة الإمارات في ذلك الصراع الداخلي؟
لا شك أن هذه الحكومة تهرب إلى البحث عن حجج كي لا تعترف بحقيقة فشلها في المواجهة، وهي إنها عاجزة، وليست أهلاً للابقاء على اليمن موحداً، ولهذا ربما أصبح من الحتمي أن تتجرع الكأس المرة في القبول بالخيار الجنوبي، كي لا تتحول سكينا مُصلتا على رقاب الجنوبيين خصوصاً، واليمنيين عموماً.
أحمد الجارالله