إذا وجهت سؤالاً إلى أي مراقب سياسي تستفهم فيه عن الأسباب التي تدفع السلطة الشرعية بقيادة عبدربه منصور إلى عقد تحالفات مع القوى السياسية في الداخل اليمني والتي هي في الحقيقة قوى منافسة له وتتمنى رحيله بل وتهدد استقرار الدولة اليمنية.
فقد تأتيك الإجابة المباشرة وبشكل سريع أن المسألة هي من باب ضرب القوى المنافسة له، مليشيا الحوثي وحزب الإصلاح، ببعضهما، وبالتالي تفضى له الساحة السياسية أو على الأقل تضعف من قوتهما، وبالتالي تسمح له الظروف بالسيطرة على الاثنين، وقد تكون الإضافة أن الرئيس عبدربه قد تعلم هذا "الدهاء السياسي" من الرئيس الراحل علي عبدالله صالح الذي برع في عقد الصفقات مع منافسيه وضربهم ببعضهم حتى كان يطلق عليه "الثعلب".
لكن الشيء الواضح أن عبدربه لم يأخذ العبرة في النتيجة النهائية التي حصلت للرئيس علي صالح عندما تمت تصفيته بطريقة بشعة من قبل حلفائه في وقت ما، مع أنه كان يعيش بين تلك القوى ويمسك بخيوطها ويحركها كيفما يشاء، في حين عبدربه يعتقد أنه يستطيع أن يدير هذه "اللعبة الخطرة" من الخارج، والأسوأ أنه استغرق به النسيان حتى غابت عنه تجربته الخاصة مع مليشيا الحوثيين عندما استعان بهم في ضرب حزب الإصلاح الإخواني في عام 2014 وأتت النتيجة بشكل عكسي كما نراها اليوم.
هذه الأيام هو يعيد خطأه ويكرره للمرة الثانية ويقع في خطر أكبر عندما يتحالف مع "الإصلاحيين" في ضرب السلطة الانتقالية الجنوبية ويسيء إلى دول التحالف العربي، معتقداً أن أتباع حزب الإصلاح الإخواني سوف يقضون على تلك القوى الجنوبية التي هي الأكثر استعداداً وعتاداً وتنظيماً لفرض السيطرة على كامل الدولة اليمنية ولو بشكل نسبي، إذا ضمنت عدم تحول الولاءات.
التحالفان اللذان عقدتهما السلطة الشرعية يعدان مخيبين لآمال الشعب اليمني الذي وضع ثقته بها، وللرأي العام العالمي أيضاً الذي يدعمها عسكرياً وسياسياً من أجل بسط السيادة على التراب اليمني، وبهذا بدأ موقف السلطة يتراجع إلى الوراء خاصة أنه يستعين بالإرهابيين والمتطرفين في مواجهة القوى الوطنية وهو تعبير صريح عن حالة التهاون والارتخاء السياسي الذي يسيطر على عبدربه وحكومته، وبهذا ليس غريباً أن تتراجع أسهمه السياسية لدى القوى الدولية الفاعلة.
حقيقة وقعت السلطة الشرعية في فخ خطأ استراتيجي قد يدفعه لأن يخسر كل المكاسب والاستحقاقات الوطنية التي تحققت على الأرض، ويعيد الدولة اليمنية إلى بدايات الأزمة السياسية وهو الخطأ الذي يقع فيه "الشاطر الذي تساوي نتائجه ألف خطأ"، كما تقول الحكمة العربية.
بل إن الأخطر من كل ذلك أن هذا الخطأ يفقده -عبدربه- الموضوعية والاتزان في تحديد الأدوار الحقيقية لحلفاء السلطة الشرعية من الخارج دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية، الدولتان اللتان هو بحاجة حقيقية لهما خاصة الحليف الإماراتي الذي يتحرك معه ميدانياً ويقوم بتدريب أفراد الجيش اليمني، المؤسسة التي يمكن الرهان عليها في الحفاظ على كيان الدولة الوطنية.
نظرياً لعبة التحالفات السياسية مستخدمة في الدول وعند السياسيين وهي منتشرة في العالم كله بل هو أمر مشروع ولا غبار عليه، ولكن هناك فرقا كبيرا بين أن تستخدمها في خدمة الوطن والشعب وإدارة المنافسين السياسيين، كما فعل الرئيس المصري الراحل أنور السادات بعد "استقواء" القوى السياسية المصرية عليه عندما وقع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، وبين أن تربي "حية" أو عدو للوطن لا يمكنك ترويضه، علماً أيضاً أن الأمر ربما يفلت منك وتكون أنت نفسك ضحية كما حدث مع علي عبدالله صالح، وقد يلحق بك عار التاريخ بعدم الاستطاعة في إنهاء الأزمة رغم كل المساعدات العربية والدولية.
إن المطلعين على مجريات الأحداث في اليمن والمدركين لأبعاد التحالفات الفاشلة التي تنسجها السلطة الشرعية يشعرون بالشفقة على حال الرئيس عبدربه منصور؛ لأنه يتعمد معارضة الحقائق التاريخية القريبة التي حدثت حتى معه، ويتجاهل الولاءات "المتحولة" في الطبيعة السياسية اليمنية والولاءات "العابرة" للحدود وفق العقيدتين الإخوانية لحزب الإصلاح والشيعية لمليشيا الحوثيين؛ لذا فإن ما يتمناه كثيرون أن يفيق هو وغيره من في السلطة الشرعية من الغفوة التي يعيشون فيها، وأن ينتبه إلى خطورة ما يفعله بيديه، وأن ينتصر لوطنه ولتاريخه السياسي ويترفع عن خدمة، بلا وعي، أهداف دول وجماعات لا تضمر لليمن وشعبه سوى الشر.
الصفقات السياسية تحدث حتى مع الأعداء لكن مع الاثنين الحوثي والإصلاح فهما وبلا شك ليسا النموذج الذي يمكن أن يدافع عن المصلحة الدولة الوطنية، فكلاهما ولاؤهما عابر للحدود، الأول يوالي المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران والثاني يسعى لتحقيق حلم الخليفة العثماني.
المشهد اليمني وفق أداء السلطة الشرعية بقيادة عبدربه منصور والإصلاحيين يدعو للحزن والرثاء أكثر من أنه يطمئن ويدعو للتفاؤل.
*- محمد خلفانا لصوافي – كاتب خليجي