صنعاء - قبيل الوصول إلى السادس من سبتمبر الموعود يمنياً بكل ما فيه من أثقال وأوجاع وتصلبات، بدأت الأطراف اليمنية الاستعداد لجولة مفاوضات دعا إليها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، ووجّهت الدعوات الرسمية إلى الطرفين الرئيسيين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين.
ومن الواضح أن سباقاً محموماً حول المكاسب الميدانية بدأ في الظهور منذ نهاية يونيو 2018 عندما قرر التحالف العربي المضيّ ناحية تحرير مدينة الحديدة وميناء في عملية عسكرية أحدثت تحولاً واسعاً في المشهد الميداني والسياسي اليمني عموماً، وعلى مستوى المحاصصة الحزبية داخلياً.
منذ خريف العام 2016، بدأ إخوان اليمن التحرك بعدة اتجاهات، ففيما حدث الانقلاب داخل المؤسسة الشرعية اليمنية بإسقاط حكومة خالد بحاح (حكومة الكفاءات الوطنية) كان إخوان اليمن يضعون أقدامهم في محافظة مأرب لتكون نقطة ارتكازهم السياسية والعسكرية، ما حدث لم يكن ليحدث لولا وجود الأدوات التي مكّنتهم من إنجاز هذا الاختراق واستحواذهم على مقاعد سيادية في مختلف القطاعات حقق من خلالها إخوان اليمن سيطرة شاملة على مختلف المؤثرات.
ظلت محافظة تعز، ومنذ ما بعد تحرير العاصمة الجنوبية عدن (يوليو 2015)، واحدة من محدّدات الصراع اليمني ـ اليمني، ففيما أطلق التحالف العربي عملية عسكرية لتحرير تعز نهاية العام 2015 وظهر أنه من الصعوبة تحقيق انتصار عسكري بسبب أن ميليشيات الحوثي عمدت إلى سياسة الحصار واستخدام المدنيين كدروع بشرية، ونظراً إلى خصوصية تعز باعتبارها تمثل النسبة السكانية الأعلى في اليمن، فلقد كان من الصعوبة مواصلة العملية العسكرية وتعريض حياة مئات الآلاف من المدنيين للخطر.
في كل الأحوال تحولت تعز إلى مركز تنافس ففي حين يعتقد إخوان اليمن أن تعز تمثّل الحاضنة الشعبية لهم، كان الرئيس السابق علي عبدالله صالح، يدرك أن تعز ستبقى مؤتمرية سياسياً، وعمق مؤتمري راهن عليه الرئيس صالح، وأثبتت مجريات الأيام واقعية هذا الراهن فالمؤتمر الشعبي العام يمتلك في تعز الحصة السياسية الكاسحة حتى وإن حاول إخوان اليمن إظهار تعز بخلاف ذلك، ومع كل هذا، بقيت المدينة نقطة استنزاف لكل القوى اليمنية المتصارعة عليها من المؤتمريين إلى الإخوان ووصولاً إلى ميليشيات الحوثي.
حدثان هما الأكثر تأثيرا في كل سنوات الحرب اليمنية، الأول هو قطع علاقات التحالف العربي مع النظام القطري في يونيو 2017، والثاني هو تصفية ميليشيات الحوثي للرئيس السابق علي عبدالله صالح، جسدياً في ديسمبر 2017.
لم تعرف هذه الحرب اليمنية أحداثاً بهذا التأثير العميق والذي أحدث تغييرات على كافة المستويات السياسية والعسكرية وحتى الاجتماعية فلقد تحرر إخوان اليمن من علاقتهم مع التحالف العربي، واستعادوا قدرتهم على التحرّك أكثر، خاصة وأنهم يمتلكون تحصينا سياسيا يتمثّل في الشرعية التي كانوا قد استطاعوا السيطرة على مفاصلها في أبريل 2016.
ظهر الدور القطري بشكل مباشر في المشهد اليمني، ويجب هنا النظر إلى الدور القطري على قسمين، القسم الأول من إعلان المقاطعة في 6 يونيو 2017 وانتهى كمرحلة مع اغتيال الحوثيين للرئيس صالح في 4 ديسمبر 2017 فهذه فترة اعتمدت فيها قطر على محاولة فك ارتباط الشراكة السعودية الإماراتية ويمكن الاستدلال على هذه الاستراتيجية بوضوح في افتعال قضية السجون السرية، فلقد هدفت القضية على استهداف دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل مباشر، أما المرحلة الثانية فهي ما بعد تصفية الرئيس صالح، فلقد كشفت قطر عبر أدواتها في المشهد اليمني أنها تتعامل مع التحالف العربي ككتلة واحدة وأخذت تلعب على المتناقضات بشكل مركّز بما في ذلك تعز.
في الاستراتيجية الكبيرة يبدو أن قطر كانت على هدف أساسي يتمثل في إبقاء السيطرة على تعز لأهميتها في اتجاهين الأول الحديدة والثاني عدن، لذلك رأينا منذ شهر مارس 2017 تصعيدا هائلا في أزمات سقطرى والمهرة وصلت إلى رفع الحكومة الشرعية شكوى إلى مجلس الأمن الدولي ضد التحالف العربي في الرابع من أبريل 2018، حتى مع انطلاق معركة تحرير الحديدة، وجدنا تصعيدا من قبل إخوان اليمن واستنفارهم لكافة المنظمات الأممية والحقوقية ضد عملية التحرير، والأكثر أهمية هو تحريك المجاميع الشعبية في محافظة تعز للخروج في مظاهرات ضد قوات التحالف.
هذه التحركات جاءت لتثبيت أسس مهمة، فالسيطرة على تعز ومنع تحرير الحديدة يعني إبقاء الميناء كجائزة يقدّمها إخوان اليمن إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ليضع قدمه على سواحل البحر الأحمر، وبذلك تدخل تركيا كمنافس للسعودية على أهم واجهاتها البحرية على الإطلاق، كما أن السيطرة على تعز تمنع الجنوبيين من أن يستطيعوا تحقيق أي مكاسب سياسية للقضية الجنوبية، وهذا ما يحدث باستمرار توترا في الأوضاع الأمنية والخدماتية في مدينة عدن باستمرار.
محاولة اغتيال محافظ تعز في عدن (أغسطس 2018) كشفت كل الخيوط تماماً وبات على المتابع أن ينظر إلى الخارطة اليمنية ليرى ماذا يمتلك إخوان اليمن على هذه الجغرافية المشتعلة (تعز ومأرب والجوف والمهرة وسقطرى ووادي حضرموت وأجزاء من شبوة وعدن)، هذا ما يمتلكه إخوان اليمن على مسافة أيام من لقاء المتصارعين اليمنيين في جنيف، مكاسب ميدانية كبيرة في مقابل تهشم المؤتمريين وضعف الجنوبيين، ومهما تكن مخرجات جنيف، فإن إخوان اليمن سيحققون مكاسب أكبر من القطعة اليمنية الملتهبة فالحوافز تبدو حاضرة والدوافع إن كانت قطرية أو تركية تبدو أكثر سخاءً في ظل نجاحات واسعة حققها الإخوان الذين خسروا في تونس ومصر وسوريا وليبيا ولكنهم الورقة الرابحة في اليمن وأن كان اليمن مازال وسيبقى ملتهبا