ماذا بعد؟
ألحقتم بنا و بهذه المدينة كل شيء سيء.
ماذا بعد ؟
آذيتمونا شر أذية لم تتركوا شيئا إلا جربتموه معنا ، أفزعتمونا حتى و نحن آمنين في منازلنا ، أقلقتمونا حتى و نحن بين يدي رحمن رحيم بل و حتى في مضاجعنا ، حتى في طرقنا التي نسير بها لم نأمن شركم ، أقواتنا و أرزاقنا حاربتمونا عليها ، ما أرحم الله بنا أن جعل الهواء الذي نتنفسه ليس بمقدور سلطتكم و لا بوسع أياديكم أن تعبث به و إلا فعلتم و لن تتردوا في المتاجرة به و بيعه لنا .
ماذا بعد ؟
هل تظنون أن الناس هنا باتت تكترث بكم أو بما تصنعون ، تريدون المزيد من الفتنة و الدماء، لم ترتوي بعد عروقكم من تلك الدماء التي سفكت أو إمتصتها أنياب المفسدون منكم و المتاجرون بأقواتنا و أحلامنا معا ، لم يعد ذلك البسيط يصدق زلف منطقكم أو مباخر بهرجتكم التي تظهرون بها ، فأنتم إما ثعلب متشدق بسلطة أو ذئب متربص بها ، لا تحدثوني عن الوطن و الوطنية فجميعكم لا يفقه من هذه الكلمات شيء غير حروفها .
ماذا بعد ؟
ألم تقرأوا يوما عن ما خلفته الحروب من دمار للإنسان قبل الأوطان، من سيحكم المنتصر منكم إن ظل هنالك منتصر أو ما يراه أسفلكم طريقة نصرا ، ستحكمون أما أخ لقتيل و ليس شهيد فلا تفتروا على الشهادة بأن تنسبوا لها قتلاكم ، أو تراكم ستحكمون أم ثكلى أو إمرأة أصبحت بسببكم أرملة و أم ليتيم أو أب قطفتم وردته التي ظل يربيها و يعتني بها لأعوام و دفعتم بها دفعا إلى محرقة كذبتكم الكبرى ، أم تراكم ستحكمون ذلك المعاق الذي في أحسن الأحوال سيتقدم زعمائكم نحوه و هو واقف إما على إحدى قدميه أو فقد إحدى يديه أو عينيه ليقلدوه وسام الشجاعة شهادة منكم لذلك الأبله الذي خسر إحدى أعضائه تلك دون أن يعلم لماذا فعل فقط استجابة لنداء قائده الأخرق الذي صار زعيما و ليس استجابة لنداء الأوطان كما تفعل الرجال التي تذوذ عن حمى أوطانها، و أشك أنكم ستفعلون ذلك مع جميعهم .
ماذا بعد ؟
ألم تقرأوا يوما عن مفاهيم أخرى غير القتال و الحرب ألم تتعرفوا عن مفهوم الشراكة الوطنية أم تراكم لا تعرفون غير البندقية و المدفع و البارود الصاعد من فوهتهما لغة و منطق، ماذا عن الفاشلون منكم و الفاسدون ألم يسمعوا أو يقرأوا يوما في كتب التاريخ عن ثورات الشعوب الجائعة ماذا صنعت بطبقاتها البيروقراطية الذي عبثت و كيف علقت رؤوس الأطفال على أبواب تلك المدن ليس لأولئك الأطفال ذنبا غير أن أبائهم كانوا من العابثين بأقواتهم لعقود و كيف أن هم أنفسهم أولئك الجوعى علقوا فيما بعد رؤوس زعماء ثورتهم حين تسلطت عليهم ، لماذا تريدون منا أن نمر من ذلك النفق المظلم الذي مرت به تلك الشعوب قبلنا و نحن بوسعنا أن نتجاوزه إن إهتدينا إلى ما أهتدوا إليه قبل أن نندم كما ندموا و لعل ندمنا سيكون أشد و أنكى منهم .
ماذا بعد؟
ألم تكن هذه الشعوب و الأمم مثلنا مجرد قبائل ينحر بعضها بعضا بل أنهم كانوا في زمن الوصول إلى المعرفة يتطلب إلى جهود مكلفة و مضنية و اليوم صارت تلك المعرفة بين أيدينا و مع ذلك عميت عقولنا و قلوبنا المملؤة بالأحقاد و الضغينة من إدراكها ، فإن لم تهتدوا إليها اليوم فلن تهتدوا إلى شيء بعدها غذا حين تصبح القلوب و الأفئدة أكثر غلضة و قسوة .
ماذا بعد؟
أعلم أن كل كلمة كتبتها لن توغل في صدر أحدكم قيد أنملة فجميعكم اليوم قد إرتدى بزات واقية ليس من الرصاص ، بل من كل كلمة صاقة تحاول أن تخترق صدوركم لتصل إلى قلوبكم ليس لقتلها كما تفعل الرصاصة بل تحييها فقلوبكم يا سادة قد ماتت من زمان ، و لتحمدوا الله أن هناك من أبنائكم من يحبكم و يريد الخير لكم جميعا يحرص على إحياء نبضها من جديد و عودتها اللحياة مجددا .
كتب / نزار أنور عبدالكريم